للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بذلك من التقرّش، وهو التجارة على أحد الأقوال، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - محظوظًا في تجارته، وخبره بذلك مشهور (١).

قال النوويّ رحمهُ اللهُ: وهذا القول حكاه القاضي عن ثابت (٢)، صاحب "الدلائل"، وهو ضعيفٌ، أو غَلَطٌ، وأيّ معنى لهذا القول في هذا الموطن، إلا أنه يُمكن تصحيحه بأن يُضَمّ إليه زيادة، فيكون معناه تَكْسِب المال العظيم الذي يَعْجِز عنه غيرك، ثم تَجود به في وجوه الخير، وأبواب المكارم، كما ذَكَرَتْ مِن حَمْلِ الكَلّ، وصِلَة الرَّحِم، وقِرَى الضيف، والإعانة على نوائب الحقّ، فهذا هو الصواب في هذا الحرف.

وأما صاحب "التحرير": فجعل "المعدوم" عبارة عن الرجل المحتاج المُعْدِم العاجز عن الكسب، وسمَّاه معدومًا؛ لكونه كالمعدوم الميت، حيث لم يتصرف في المعيشة كتصرف غيره، قال: وذكر الخطابيّ أن صوابه المُعْدِم بحذف الواو، قال: وليس كما قال الخطابيّ، بل ما رواه الرُّواة صواب، قال: وقيل: معنى "تَكْسِب المعدومَ"؛ أي: تسعى في طلب عاجز تُنْعِشه، والكسب هو الاستفادة، وهذا الذي قاله صاحب "التحرير"، وإن كان له بعض الاتجاه كما حررت لفظه، فالصحيح المختار ما قدمته. انتهى كلام النوويّ رحمهُ اللهُ (٣).

(وَتَقْرِي الضَّيْفَ) بفتح التاء، قال أهل اللغة: يقال: قَرَيت الضيفَ أَقْرِيه، من باب رَمَى قِرًى، بكسر القاف مقصورًا، وقَراءً بفتح القاف ممدودًا، ويقال للطعام الذي يُضِيفه به: قِرًى، بكسر القاف مقصورًا، ويقال لفاعله: قَارٍ، مثلُ قَضَى، فهو قَاضٍ.

وقال ابن سِيده: قَرَى الضّيْفَ قِرًى، وقَرَاءً: أضافه، واستقراني،


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٦٣٦ - ٦٣٩.
(٢) هو ثابت بن حزم بن عبد الرحمن السَّرَقُسْطيّ من أهل الأندلس العالم المتفنّن البصير بالحديث والفقه والنحو والغريب، تُوفي سنة (٣١٣ هـ)، وكتابه "الدلائل" هو في شرح ما أغفله أبو عبيد، وابن قُتيبة، من غريب الحديث. انظر: "بغية الوعاة" ١/ ٤٨٠.
(٣) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٠١، و"الفتح" ١/ ٣٣ - ٣٤.