للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنهم كانوا يعرفونه، ولا يتهمونه في النصيحة، ولا جرت عادته بالتعري، فقطعوا بصدقه لهذه القرائن، فضَرَب النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه، ولِمَا جاء به مَثَلًا بذلك، لِمَا أبداه من الخوارق، والمعجزات الدالة على القطع بصدقه؛ تقريبًا لأفهام المخاطبين بما يألفونه، ويعرفونه.

قال الحافظ: ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزيّ في "الأمثال"، وهو عند أحمد أيضًا بسند جيّد، من حديث عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، قال: خرج النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم، فنادى ثلاث مرّات: أيها الناس مَثَلي ومَثَلكم مَثَل قوم خافوا عدوًّا أن يأتيهم، فبعثوا رجلًا يترايا لهم، فبينما هم كذلك إذ أبصر العدوّ، فأقبل ليُنذر قومه، فخشي أن يُدركه العدوّ قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه: أيها الناس أُتيتم، ثلاث مرات. وأحسن ما فُسِّر به الحديث من الحديث.

وهذا كله يدلّ على أن العريان من التعري، وهو المعروف في الرواية، وحَكَى الخطابيّ أن محمد بن خالد رواه بالموحّدة، قال: فإن كان محفوظًا، فمعناه الفصيح بالإنذار، لا يَكْنِي، ولا يُوَرِّي، يقال: رجل عريان؛ أي: فصيح اللسان. انتهى (١).

(فَالنَّجَاءَ) بالمدّ مصدر نجا: إذا أسرع، يقال: ناقة ناجيةٌ؛ أي: مسرعةٌ، ونَصَبه على المصدر؛ أي: انجوا النجاءَ، أو على الإغراء، قاله الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال القاضي: المعروف في "النجاء" إذا أُفرد المدّ، وحَكَى أبو زيد فيه القَصْر أيضًا، فإذا ما كَرَّروه فقالوا: "النجاء النجاء" ففيه المدّ والقصر معًا. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": "فالنجاء، النجاء": هو بالمدّ فيهما، وبمدّ الأولي، وقَصْر الثانية، وبالقصر فيهما؛ تخفيفًا، وهو منصوب على الإغراء؛ أي: اطلبوا النجاء، بأن تسرعوا الْهَرَب؛ إشارةً إلى أنهم لا يطيقون مقاومة ذلك الجيش.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: في كلامه أنواع من التأكيدات: أحدها: "بعيني"،


(١) "الفتح" ١٤/ ٦٣٢ - ٦٣٣، كتاب "الرقاق" رقم (٦٤٨٢).
(٢) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٢/ ٦١٢.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ٤٩.