للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَعَلَّم اللسان العبرانيّ، والكتابة العبرانية، فكان يكتب الكتاب العبراني، كما كان يكتب الكتاب العربيّ؛ لتمكّنه من الكتابين واللسانين، ووقع لبعض الشُّرّاح هنا خَبْطٌ، فلا يُعَرَّج عليه.

وإنما وَصَفَتْهُ بكتابة الإنجيل، دون حفظه؛ لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرًا كتيسّر حفظ القرآن الذي خُصَّت به هذه الأمة، فلهذا جاء في صفتها: "أَناجِيلها صدورها".

(وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ) - رضي الله عنها - (أَيْ) حرف نداء، كما مرّ البحث عنه قريبًا (عَمِّ) هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الآتية: "أي ابن عم"، قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هكذا هو في الأصول، في الأول "عَمّ"، وفي الثاني: "ابن عم"، وكلاهما صحيح، أما الثاني فلأنه ابن عمِّها حقيقةً كما ذكره أوّلًا في الحديث، فإنه ورقة بن نوفل بن أسد، وهي خديجة بنت خُويلد بن أسد، وأما الأول فسمّته عَمًّا مجازًا؛ للاحترام، وهذه عادة العرب في آداب خطابهم، يخاطب الصغير الكبير بـ"يا عمّ"؛ احترامًا له، ورفعًا لمرتبته، ولا يَحصُل هذا الغرض بقولها: "يا ابن عمّ"، انتهى كلام النوويّ (١).

وتعقّب الحافظ كلام النوويّ هذا، وأن قوله: "أي عمّ" وَهَمٌ؛ لأنه وإن كان صحيحًا؛ لجواز إرادة التوقير، لكن القصة لم تتعدد، ومخرجها مُتّحِدٌ، فلا يُحْمَل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعيّن الحمل على الحقيقة، وإنما جَوَّزنا ذلك فيما مضى في العبرانيّ والعربيّ؛ لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة، واختلفت المخارج، فأمكن التعداد، وهذا الحكم يطّردُ في جميع ما أشبهه. انتهى (٢).

تعقّب العينيّ كلام الحافظ هذا باحتمال أنها تلفّظت باللفظين، وأن كون القصّة متّحدةً لا ينافي التكلّم باللفظين (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله العينيّ هو الصواب، والله تعالى أعلم.


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٠٣.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٤.
(٣) "عمدة القاري" ١/ ١٠١.