للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثلاث" (١)، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يفارق أصحابه، ولا أمته في تلك الشدائد؛ سعيًا في تخليصهم منها، وشفقة عليهم -صلى الله عليه وسلم- (٢)، اللهم لا تَحُلْ بيننا وبينه -صلى الله عليه وسلم- في تلك المواطن برحمتك يا أرحم الراحمين.

(أَضْرِبُ بِعَصَايَ) قال القاضي عياض: وعصاه المذكورة في هذا الحديث هي الْمُكْنِيّ عنها بالْهِراوة في وَصْفه -صلى الله عليه وسلم- في كُتُب الأوائل بصاحب الْهِراوة، قال أهل اللغة: الْهِراوة بكسر الهاء: العصا، قال: ولم يأت لمعناها في صفته -صلى الله عليه وسلم- تفسير إلا ما يظهر لي في هذا الحديث. انتهى. هذا كلام القاضي.

وتعقّبه النوويّ، فقال: وهذا الذي قاله في تفسير الْهِراوة بهذه العصا بعيد، أو باطلٌ؛ لأن المراد بوصفه بالهراوة: تعريفه بصفة يراها الناس معه، يستدلون بها على صِدْقه، وأنه المبشَّر به المذكور في الكتب السالفة، فلا يصح تفسيره بعصا تكون في الآخرة، والصواب في تفسير صاحب الهراوة ما قاله الأئمة المحققون: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُمسك القضيب بيده كثيرًا، وقيل: لأنه كان يمشي، والعصا بين يديه، وتغرز له، فيصلي إليها، وهذا مشهور في الصحيح، والله أعلم. انتهى (٣).

(حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ")؛ أي: يسيل عليهم، ومنه حديث البراق: "استَصْعَب حتى ارْفَضّ عَرَقًا"؛ أي: سال عرقه، قال أهل اللغة والغريب: وأصله من الدمع، يقال: ارفَضّ الدمعُ: إذا سال متفرقًا.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "حتى يرفضَّ" بالمثناة من تحتُ؛ أي: يضرب من أراد من الناس الشرب من الحوض قَبْل أهل اليمن، ويدفعهم عنه حتى يَصِل أهل اليمن، فيرفضُّ الحوض عليهم؛ أي: يسيل، يقال: ارفضَّ الدمع: إذا سال. انتهى (٤).

(فَسُئِلَ) -صلى الله عليه وسلم- (عَنْ عَرْضِهِ)؛ أي: سعة عرض الحوض، والسائل لم يُعرف، ويَحْتَمِل أن يكون هو يزيدَ بن الأخنس، فقد أخرج ابن حبّان في "صحيحه"،


(١) رواه الترمذيّ (٢٤٣٣)، وقال: حسنٌ غريب، وصححه الشيخ الألبانيّ.
(٢) "المفهم" ٦/ ٩٦ - ٩٧.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ٦٢.
(٤) "المفهم" ٦/ ٩٧.