للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: كذا جاءت الرواية "مؤزّرًا" قال بعضهم (١): أصله "مُوَازَرًا"؛ لأنه من وازرتُ؛ أي: عاونتُ، ويقال فيه: آزرتُ، قال: ويحتمل أن الألف سقطت أمام الواو على التأويل؛ إذ لا أصل لـ"مؤزّر" في الكلام.

قال القاضي: وقد ظهر لي أنه صحيحٌ على ما جاءت به الرواية، وأنه أولى، وأليق بالمعنى، والمراد نصرًا قويًّا، مأخوذ من الأَزْر، وهو القوّة، ومنه تأزّر النبتُ: إذا اشتدّ وطال، قال الله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: ٣١]، قيل: قوّتي، وقيل: ظهري، ولو كان على ما ذهب إليه هذا القائل لكان صواب الكلام "مُوَازِرًا" بكسر الزاي، وبعد أن ظهر لي هذا وجدت معناه مُعلّقًا عن بعض المشايخ، ووجدته للخطابيّ، وهو كلام صحيح. انتهى (٢).

[تنبيهات]:

[الأول]: زاد في رواية البخاريّ: "ثُمَّ لم يَنْشَبْ ورقةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ". قال في "الفتح": قوله: "لم يَنْشَب " - بفتح الشين المعجمة - أي: لم يَلْبَث، وأصل النُّشُوب: التعلَّق؛ أي: لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات، وهذا بخلاف ما في "السيرة" لابن إسحاق أنّ ورقة كان يَمُرُّ ببلال، وهو يُعَذَّب، وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة، وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام، فإن تمسكنا بالترجيح، فما في الصحيح أصحّ، وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال: الواو في قوله: "وفَتَرَ الوحيُ" ليست للترتيب، فلعلّ الراوي لم يَحْفَظ لورقة ذكرًا بعد ذلك في أمر من الأمور، فجعل هذه القصة انتهاءَ أمره بالنسبة إلى علمه، لا إلى ما هو الواقع، وفتورُ الوحي عبارة عن تأخره مُدَّةً من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَهُ من الرَّوْع، وليحصل له التّشَوُّف إلى العَوْد، فقد روى البخاريّ من طريق معمر، عن الزهريّ ما يدُلّ على ذلك.

[الثاني]: ردّ العلامة ابن القيم رحمهُ اللهُ بهذه الزيادة - أعني قوله: "ثم لم ينشب ورقة أن توفي" - ما وقع في "السيرة النبوية" لابن إسحاق: أن ورقة كان يَمُرّ ببلال، والمشركون يعذبونه، وهو يقول: أحدٌ أحد، فيقول: أحدٌ والله يا


(١) هو القزاز القيروانيّ.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٦٤٦ - ٦٤٧.