للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بلال … إلخ، فقال: هذا وَهَمٌ؛ لأن ورقة قال: "وإن أدركني يومك حيًّا لأنصرنك نصرًا مؤزرًا"، فلو كان حيًّا عند ابتداء الدعوة، لكان أوّل من استجاب، وقام بنصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كقيام عمر وحمزة.

وتعقّبه الحافظ، بأن ورقة إنما أراد بقوله: "فإن يدركني يومك حيًّا أنصرك" اليوم الذي يُخرجونك فيه؛ لأنه قال ذلك عند قوله: "أوَ مخرجيّ هم؟ "، وتعذيب بلال كان في أول الدعوة، وبين ذلك وبين إخراج المسلمين من مكة للحبشة، ثم للمدينة مدةٌ متطاولةٌ، والله تعالى أعلم (١).

[الثالث]: وقع في "تاريخ أحمد بن حنبل" عن الشعبي أن مُدّة فترة الوحي، كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق، وحَكَى البيهقيُّ أن مُدّة الرؤيا كانت ستة أشهر، وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده، وهو ربيع الأول، بعد إكماله أربعين سنة، وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين، وهي ما بين نزول: {اقْرَأْ} [العلق: ١]، و {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١] عدمُ مجيء جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط.

قال الحافظ: ثم راجحت المنقول عن الشعبى من "تاريخ الإمام أحمد"، ولفظه من طريق داود بن أبي هند، عن الشعبيّ: "أُنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقُرِن بنبوّته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يُعَلِّمه الكلمةَ والشيءَ، ولم يَنْزِل عليه القرآن على لسانه، فلما مَضَت ثلاث سنين قُرِن بنبوته جبريل، فنَزَل عليه القرآنُ على لسانه عشرين سنة".

وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرًا، عن داود بلفظ: "بُعِث لأربعين، ووُكِل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وُكِل به جبريل"، فعلى هذا فيحسن - بهذا المرسل إن ثبتَ - الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، فقد قيل: ثلاث عشرة، وقيل: عشر، ولا يتعلّق ذلك بقدر مدّة الفترة، والله أعلم.

وقد حَكَى ابن التين هذه القصّة، لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل، وأنكر الواقديّ هذه الرواية المرسلة، وقال: لم يُقْرَن به من الملائكة إلا جبريل. انتهى.


(١) راجع: "الفتح" ٨/ ٥٩٢.