للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لفظ رمضان؟ فما أخطر هذا المسلك، وأبعده عن الصواب، ولا يخفى مَيْل البخاريّ إلى جوازه لمن تأمل في هذه الترجمة، والأحاديث التي أوردها فيها، فتبصّر بالإمعان، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الموفّق للصواب.

قال: ونُقل من أصحاب مالك الكراهية، وعن ابن الباقلاني منهم، وكثير من الشافعية: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يُكره، والجمهور على الجواز. انتهى (١).

وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ الله-: رَمَضَانُ: اسم للشهر، قيل: سُمّي بذلك؛ لأن وضعه وافق الرَمَضَ، وهو شدة الحرّ، وجَمْعه رَمَضَانَات، وأَرْمِضَاءُ، وعن يونس أنه سمع رَمَاضِينُ، مثلُ شَعَابين، قال بعض العلماء: يُكْرَه أن يقال: جاء رَمَضَانُ، وشِبْهه، إذا أريد به الشهر، وليس معه قرينة تدلّ عليه، وإنما يقال: جاء شَهْرُ رَمَضَانَ، واستَدَلّ بحديث: "لا تَقُولُوا: رَمَضَانَ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْم مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَلَكنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ"، وهذا الحديث ضَعّفه البيهقيّ، وضُعْفُه ظاهر؛ لأنه لم يُنقل من أحد من العلماء أن رَمَضَانَ من أسماء الله تعالى، فلا يُعمل به، والظاهر جوازه من غير كراهة، كما ذهب إليه البخاريّ، وجماعة من المحقّقين؛ لأنه لم يصحّ في الكراهة شيء، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدلّ على الجواز مطلقًا؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ"، متّفقٌ عليه، وقال القاضي عياض: وفي قوله: "إذا جاء رمضان" دليل على جواز استعماله من غير لفظ شهر، خلافًا لمن كرهه من العلماء. انتهى (٢).

٦ - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان؛ لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان، كما ثبت من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة، فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي تُوفِّي فيه عارضه به مرتين، كما ثبت في "الصحيح" عن فاطمة - رضي الله عنها -، والله أعلم بالصواب.


(١) "الفتح" ٥/ ٢٢٨، كتاب "الصوم" رقم (١٨٩٨).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٢٣٩.