٧ - (ومنها): أن في قوله: "أجود بالخير من الرِّيح المرسلة" جوازَ المبالغة في التشبيه، وجواز تشبيه المعنويّ بالمحسوس؛ ليقرب لِفَهْم سامعه، وذلك أنه أثْبَتَ له أوّلًا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك، فشبّه جُوده بالريح المرسلة، بل جعله أبلغ في ذلك منها؛ لأن الرِّيح قد تسكن.
٨ - (ومنها): أن فيه الاحتراسَ؛ لأن الرِّيح منها العقيم الضارة، ومنها المبشرة بالخير، فوصفها بالمرسلة لِيُعَيِّن الثانية، وأشار إلى قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الأعراف: ٥٧] وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}[الفرقان: ٤٨]، ونحو ذلك، فالريح المرسلة تستمرّ مدة إرسالها، وكذا كان عمله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ديمة، لا ينقطع.
٩ - (ومنها): بيان تعظيم شهر رمضان؛ لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه، ثم معارضته ما نزل منه فيه، ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه، وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى.
١٠ - (ومنها): أنه يستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.
١١ - (ومنها): أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير.
١٢ - (ومنها): استحباب تكثير العبادة في آخر العمر، ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم، وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك؛ لزيادة التذكرة والاتعاظ.
١٣ - (ومنها): أن ليل رمضان أفضل من نهاره، وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم؛ لأن الليل مظنة ذلك؛ لِمَا في النهار من الشواغل، والعوارض الدنيوية والدينية، ويَحْتَمِل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يَقْسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء، فيقرأ كلَّ ليلة جزءًا في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك، مِنْ تَهَجُّد بالصلاة، ومِن راحة بَدَن، ومِن تَعاهُد أهل، ولعلّه كان يعيد ذلك الجزء مرارًا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها، ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر، ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة، وفي السنة الأخيرة عَرَضه مرتين، لجاز أنه كان يَعرض جميع ما نزل عليه كلّ ليلة، ثم يعيده في بقية الليالي.