وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند، قال: قلت للشعبيّ: قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة: ١٨٥]، أما كان ينزل عليه في سائر السنة؛ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض مع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ما أنزل الله، فيُحْكِم الله ما يشاء، ويُثْبت ما يشاء.
قال الحافظ: ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ.
وتؤيده أيضًا الرواية بلفظ:"فيدارسه القرآن"، فإن ظاهرها أن كلًّا منهما كان يقرأ على الآخر، وهي موافقة لقوله:"يعارضه"، فيستدعي ذلك زمانًا زائدًا على ما لو قرأ الواحد، ولا يعارض ذلك قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)} [الأعلى: ٦]، إذا قلنا: إن "لا" نافية، كما هو المشهور، وقول الأكثر؛ لأن المعنى: أنه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه، ومن جملة الإقراء مدارسة جبريل، أو المراد: أن المنفي بقوله: {فَلَا تَنْسَى} النسيان الذي لا ذِكر بعده، لا النسيان الذي يعقبه الذِّكر في الحال، حتى لو قُدِّر أنه نسي شيئًا، فإنه يُذَكِّره إياه في الحال. انتهى (١).
١٤ - (ومنها): ما ذكره العينيّ -رَحِمَهُ الله- على طريقة الأسئلة والأجوبة، فقال:[منها]: ما قيل: إن ههنا أربع جُمَل، فما الجهة الجامعة بينها؟ وأجيب بأن المناسبة بين الجمل الثلاث، وهي قوله:"كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وفَلَرسول الله - صلى الله عليه وسلم - … إلخ" ظاهرة؛ لأنه أشار بالجملة الأوُلى إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس مطلقًا، وأشار بالثانية إلى أن جُوده في رمضان يُفَضَّل على جوده في سائر أوقاته، وأشار بالثالثة إلى أن جوده في عموم النفع والإسراع فيه كالريح المرسلة، وشبَّه عمومه وسرعة وصوله إلى الناس بالريح المنتشرة، وشتان ما بين الأمرين، فإن أحدهما يُحيي القلب بعد موته، والآخر يحيى الأرض بعد موتها.
وأما المناسبة بين الجملة الرابعة، وهي قوله:"وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن"، وبين الجملة الباقية، فهي أن جوده - صلى الله عليه وسلم - الذي في