رمضان الذي فُضل على جوده في غيره إنما كان بأمرين: أحدهما: بكونه في رمضان، والآخر بملاقاته جبريل -عَلَيْهِ السَّلام-، ومدارسته معه القرآن، ولمَّا كان ابن عباس - رضي الله عنهما - في صدد بيان أقسام جوده - صلى الله عليه وسلم - على سبيل تفضيل بعضه على بعض، أشار فيه إلى بيان السبب الموجب لأعلى جوده، وهو كونه في رمضان، وملاقاته جبريل.
[فإن قلت]: ما وجه كون هذين الأمرين سببًا موجبًا لأعلى جوده - صلى الله عليه وسلم -؟.
[قلت]: أما رمضان فإنه شهر عظيم، وفيه الصوم، وفيه ليلة القدر، وهو من أشرف العبادات، فلذلك قال الله - عز وجل -: "الصوم لي، وأنا أجزي به"، فلا جَرَم يتضاعف ثواب الصدقة، والخير فيه، وكذلك العبادات، وعن هذا قال الزهري: تسبيحة في رمضان خير من سبعين في غيره، وقد جاء في الحديث:"إن الله تعالى يُعتق فيه كلَّ ليلة ألف ألف عتيق من النار"(١)، وأما ملاقاة جبريل -عليه السلام- فإن فيها زيادة ترقّيه في المقامات وزيادة اطلاعه على علوم الله - سبحانه وتعالي -، ولا سيما عند مدارسته القرآن معه، مع نزوله إليه في كل ليلة، ولم ينزل إلى غيره من الأنبياء -عليهم الصلاة، والسلام- ما نزل إليه - صلى الله عليه وسلم -.
[ومنها]: ما قيل: ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان؟.
[وأجيب]: بأنها كانت لتجديد العهد واليقين، وقال الكرمانيّ: وفائدة دَرْس جبريل -عليه السلام-: تعليم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتجويد لفظه، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها، وليكون سُنَّةً في هذه الأمة؛ كتجويد التلامذة على الشيوخ قراءتهم، وأما تخصيصه رمضان، فلكونه موسم الخيرات؛ لأن نِعَم الله تعالى على عباده فيه زائدة على غيره.
[ومنها]: ما قيل: المفهوم منه أن جبريل -عليه السلام- كان ينزل على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في كل ليلة من رمضان، وهذا يعارضه ما روي في "صحيح مسلم": "في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ"، وأجيب بأن المحفوظ في مسلم أيضًا مِثْل ما في البخاريّ، ولئن سلّمنا صحة الرواية المذكورة، فلا تعارُض؛ لأن معناه بمعنى