للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨ - (ومنها): بيان أن أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] وبه يقول الجمهور، قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف، وقيل: أوله {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١] وليس بشيء. انتهى.

وأما قول جابر - رضي الله عنه - الآتي: "فأنزل الله تعالى {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} "، فمحمول على أنه أول ما نزل بعد فترة الوحي، وقيل: إن أول ما نزل الفاتحة، وهو قول شاذّ، لا يُلتفت إليه.

وقال الحافظ ابن كثير رحمهُ اللهُ: أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهي أول رحمة رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم، فشرّفه وكرّمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البريّة آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، ذهنيّ، ولفظيّ، ورسميّ، والرسميّ يستلزمهما من غير عكس، فلهذا قال: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ٣ - ٥]، وفي الأثر: "قيّدوا العلم بالكتابة" (١)، وفيه أيضًا: "من عَمِلَ بما عَلم رزقه الله عِلم ما لم يعلم" (٢). انتهى كلام ابن كثير رحمهُ اللهُ (٣).

٩ - (ومنها): أنه استدلّ به بعض من يقول: إن "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" ليست من القرآن في أوائل السور؛ لكونها لم تُذكر هنا، وأجاب المثبتون لها بان البسملة لم تنزل أوّلًا، بل نزلت في وقت آخر، كما نزل باقي السور.

وقال السهيليّ رحمهُ اللهُ: في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} دليلٌ من الفقه على


(١) أخرجه ابن عبد البرّ في "جامع العلم وفضله" (٣٩٥)، وروي موقوفًا ومرفوعًا، وصححه الشيخ الألباني بمجموع طرقه، راجع: "صحيح الجامع" ٢/ ٨١٦ (٤٤٣٤)، و"السلسلة الصحيحة" رقم (٢٠٢٦).
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١٠/ ١٤ - ١٥) بنحوه، وحكم الشيخ الألباني بوضعه في "الضعيفة" (٤٢٢).
(٣) "تفسير ابن كثير" ١٤/ ٣٩٨.