للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيكون المصدر المؤوّل مفعول "أملك" على حذف مضاف؛ أي: لا أملك دفعَ كون الله نزع منكم الرحمة، ونفى القرطبيّ صحة كسر الهمزة روايةً، وعلى تقدير الصحّة، فهي شرطيّة، وجوابها محذوف يدلّ عليه ما قبله؛ أي: إن نزع الله من قلبكم الرحمة، فلا أملك دفع ذلك عنكم.

وفي رواية البخاريّ: "أن نزع الله من قلبك الرحمة"، قال في "العمدة": قوله: "أن نزع" بفتح الهمزة مفعول "أملك"، أي: لا أملك النزع، وحاصل المعنى: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك، بعد أن نزعها الله منه، وقيل: كلمة "إن" مكسورة، على أنها شرطٌ، والجزاء محذوف، وهو من جنس ما تقدم؛ أي: إنْ نزع الله الرحمة من قلبك، فلا أملك لك ردّها إليه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "وأملك أن كان الله نزع الرَّحمة من قلبك؟! " كذا وقع هذا اللفظ محذوف همزة الاستفهام، وهي مرادة، تقديره: أوَ أملك؟ وكذا جاء هذا اللفظ في البخاريّ بإثباتها، وهو الأحسن؛ لقلة حذف همزة الاستفهام. و"أن" مفتوحة، وهي مع الفعل بتأويل المصدر، تقديرها: أوَ أملك كون الله نزع الرَّحمة من قلبك؟! وقد أبعد مَنْ كَسَرها، ولم تصح رواية الكسر، ومعنى الكلام: نفي قدرته -صلى الله عليه وسلم- عن الإتيان بما نزع الله من قلبه من الرحمة.

قال: والرحمة في حقِّنا هي رقَّة، وحُنُوّ يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى، أو ضعيف، أو صغير، يحمله على الإحسان إليه، واللطف به، والرفق، والسعيِ في كشف ما به، وقد جعل الله تعالى هذه الرحمة في الحيوان كله، عاقلِهِ وغير عاقله، فبها تعطف الحيوانات على نوعها، وأولادها، فتحنو عليها، وتَلْطُف بها في حال ضعفها وصغرها.

وحكمة هذه الرحمة تسخير القويّ للضعيف، والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه، وتتمّ مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير، وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة، هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادَّخرها الله تعالى ليوم القيامة؛ فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها، وشدائدها حتى يخصَّهم منها، ويدخلهم في جنته، وكرامته،


(١) "عمدة القاري" ٢٢/ ١٠٠، بزيادة من "الفتح" ١٣/ ٥٤١.