وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة، من الأقوال، والأفعال، ومنه الحديث: قال لعائشة -رضي الله عنها-: "لا تقولي ذلك، فإن الله لا يحب الفُحْش، ولا التفاحش"، أراد بالفحش التعدي في القول والجواب، لا الفحش الذي هو من قَذَع الكلام، ورديئه، والتفاحش تفاعل منه.
وقد يكون الفحش بمعنى الزيادة والكثرة، ومنه حديث بعضهم، وقد سئل عن دم البراغيث، فقال: إن لم يكن فاحشًا فلا بأس، وكلُّ شيء جاوز قَدْره وحدّه فهو فاحش، وقد فَحُش الأمر فُحْشًا، وتفاحش، وفَحَّشَ بالشيء: شَنَّعَ.
وأما قول الله -عز وجل-: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الآية [البقرة: ٢٦٨]، قال المفسِّرون: معناه: يأمركم بأن لا تتصدقوا، وقيل: الفحشاء هاهنا البخل، والعرب تسمي البخيل فاحشًا، وقال طرفة [من الطويل]:
يعني: الذي جاوز الحدّ في البخل، وقال ابن بَرّيّ: الفاحش السيئ الخُلُق المتشدد البخيل، ويعتام: يختار، ويصطفي؛ أي: يأخذ صفوته، وهي خياره، وعقيلة المال: أكرمُه، وأنفسه. انتهى كلام ابن منظور -رحمه الله- باختصار (١)، وإنما نقلت كلامه بطوله؛ لأهمّيّته، ولكثرة ورود لفظ الفحش في الأحاديث بعبارات مختلفة، وبيان ما ورد في معناه من أقوال العلماء في موضع واحد لذلك، والله تعالى وليّ التوفيق.
(وَقَالَ) عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- (قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا") ولفظ البخاريّ: "أحسنَكم أخلاقًا"، فقوله: "أحاسنكم" اسم "إنّ" مؤخّرًا، وخبرها الجارّ والمجرور قبله، و"أخلاقًا" منصوب على التمييز.
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا"؛ هو جمع أحسن على وزن أفعل التي للتفضيل، وهي إن قُرنت بـ "مِنْ" كانت للمذكَّر، والمؤنث، والاثنين، والجمع، بلفظ واحد، وإن لم تقترن بـ "مِنْ"، وعرَّفتها