النساء السقوط، قال: وهذا من الاستعارة البديعة؛ لأن القوارير أسرع شيء تكسيرًا، فأفادت الكناية من الحضّ على الرفق بالنساء في السير ما لم تُفده الحقيقة، لو قال: ارْفُق بالنساء.
وقال الطيبيّ: هي استعارةٌ؛ لأن المشبَّه به غير مذكور، والقرينة حالية، لا مقالية، ولفظ الكسر ترشيح لها.
وجزم أبو عبيد الهرويّ بالثاني، وقال: شبه النساء بالقوارير؛ لضَعف عزائمهنّ، والقوارير يُسرع إليها الكسر، فخشي من سماعهن النشيد الذي يحدو به أن يقع بقلوبهن منه، فأمره بالكفّ، فشبّه عزائمهن بسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في إسراع الكسر إليه.
ورَجّح عياض هذا الثاني، فقال: هذا أشبه بمساق الكلام، وهو الذي يدلّ عليه كلام أبي قلابة، وإلا فلو عَبَّر عن السقوط بالكسر، لم يُعِبْه أحد.
وجوَّز القرطبي في "المفهم" الأمرين، فقال: شَبّههن بالقوارير؛ لسرعة تأثرهنّ، وعدم تجلدهنّ، فخاف عليهنّ من حث السير بسرعة السقوط، أو التألم من كثرة الحركة، والاضطراب الناشئ عن السرعة، أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد.
قال الحافظ: والراجح عند البخاريّ الثاني، ولذلك أدخل هذا الحديث في باب المعاريض، ولو أُريدَ المعنى الأول، لم يكن في لفظ القوارير تعريض. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الوجه الأول هو الأظهر، والأرجح، والأقرب، ومما يقوّي ذلك أنه وقع في رواية أحمد ما لفظه:"فلما حدا أعنقت الإبل، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: ويحك. . ." الحديث، فتبيّن أن السبب هو إسراع الإبل، فخشي -صلى الله عليه وسلم- بذلك سقوطهنّ، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.