وهل قَتْله للكفر، أو للحدِّ؟، فجمهورهم على أن حكمه حكم الزنديق، لا تُقبل توبته، وهو مشهور مذهب مالك، وقول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، ورأوا أن قَتْله للحدِّ، ولا ترفعه التوبة، لكن تنفعه عند الله تعالى، ولا يسقط حدّ القتل عنه.
وقال أبو حنيفة، والثوريّ: هي كفر، وردَّة، وتُقبل توبته إذا تاب، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. قال: واختلفوا في الذمِّيّ إذا سبَّه بغير الوجه الذي به كُفِّر؛ فعامَّة العلماء على أنه يُقتل لحقّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأبو حنيفة، والثوريّ، والكوفيون: لا يرون قتله، قالوا: ما هو عليه من الكفر أشدّ.
قال: واختَلَف أهل المدينة، وأصحاب مالك في قَتْله إذا سبَّه بالوجه الذي به كُفِّرَ؛ من تكذيبه، وجَحْد نبوَّته؟ والأصح الأشهر قَتْله، واختلفوا في إسلام الكافر بعد سبِّه: هل يُسقط ذلك القتلَ عنه أم لا؟ والأشهر عندنا سقوطه؛ لأنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله، وحكى أبو محمد بن نصر في درء القتل عنه روايتين.
قال: ويستفاد من حديث عائشة -رضي الله عنها- ترغيب الحكام، وولاة الأمور في الصفح عمن جَهِل عليهم، وجفاهم، والصبر على أذاهم، كما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وأن الحاكم لا يحكم لنفسه، وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يحكم لنفسه، ولا لمن لا تجوز شهادته له؛ على ما حكاه عياض -رحمه اللهُ-. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رحمه اللهُ- أوّلَ الكتاب قال: