للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بياض الثياب، شديد سواد الشعر، وصورته الأصلية له ستمائة جناح، وكل جناح منها يسد الأفق؟.

فقال: مِنْ قائل: إنه سبحانه يُفني الزائدَ من خلقه، ثم يعيده، ومن قائل: إن ذلك إنما هو تمثيل في عين الرائي، لا في جسم جبريل، وهو الذي يعطيه قوله: "يتمثل لي".

قال: وتحقيقه أن جبريل عبارة عن الحقيقة الملكية الخاصة، والملك لا يتغير بالصورة والقوالب، كما أن حقيقتنا لا تتغير بها، ألا ترى أن الجسم يتغير، ويفنى مع أن الأرواح لا تتغير، كما أنها في الجنة تركب على أجسام لطيفة نورانية ملكية، تنعكس الأبدان الآدمية الكثيفة هناك إلى عالم الكمال الجسماني على نحو الأجسام الملكية الآن، فحقيقة جبريل كانت معلومة عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مجعولة في أيّ قَالَب كان.

قلت (١): ولهذا ورد في حديث مجيئه، وسؤاله عن الإيمان: "ما جاءني قط، إلا وأنا أعرفه، إلا أن يكون هذه المرة". انتهى المقصود من كلام السيوطيّ -رَحمه الله- (٢).

وقال في "الفتح": قال إمام الحرمين: تمثّل جبريل معناه: أن الله أفنى الزائد من خَلْقه، أو أزاله عنه، ثم يعيده إليه بَعْدُ.

وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء، وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجبًا لموته، بل يجوز أن يبقى الجسد حيًّا؛ لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلًا، بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه، ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر تَسْرَحُ في الجنة.

وقال شيخ الإسلام -يعني: البلقيني-: ما ذكره إمام الحرمين لا ينحصر الحال فيه، بل يجوز أن يكون الآتي هو جبريل بشكله الأصليّ، إلا أنه انضم، فصار على قَدْر هيئة الرجل، وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته.


(١) القائل السيوطيّ، فتنبّه.
(٢) "زهر الربى في شرح المجتبى" ٢/ ١٤٨.