ومثال ذلك القُطن إذا جُمع بعد أن كان منتفشًا، فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة، وذاته لمَ تتغير، وهذا على سبيل التقريب.
والحق أن تمثُّل الملَك رجلًا ليس معناه: أن ذاته انقلبت رجلًا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أيضًا أن القدر الزائد لا يزول، ولا يفنى، بل يخفى على الرائي فقط، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا ينقضي عجبي من هؤلاء الأفاضل كيف استساغوا الخوض في هذا البحث الذي هو من فضول الكلام، ومن الخوض فيما لا يعني؟ فيا ليتهم لم يضيّعوا الوقت في شيء لا ينفعهم، ولا ينفع الأمة، بل هو مجرّد إضاعة للوقت، وذلك لأمور:
(الأول): أنه مما لم يُكَلِّفِ الشرعُ أحدًا بالخوض فيه.
(الثاني): أنه من القول بلا علم؛ لأنه ليس عليه أثارة من علم، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء: ٣٦].
(الثالث): أنه مما لم يَخُضْ فيه السلف، ولو كان فيه خير لكانوا أسبق الناس إليه.
فالواجب على العاقل أن لا يخوض في مثل هذا إلا بدليل، فما جاءنا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بيانه من كون الملائكة خُلقوا من نور، وأن لهم أجنحة، وأنهم يتشكلون بشكل البشر، وأن جبريل يأتيه بصورة رجل، ونحو ذلك آمنّا به، وتكلمنا بتفاصيل ما أوضحه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وما لا فلا، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
زاد في رواية البخاريّ:"فيكلمني"، قال في "الفتح": كذا للأكثر، ووقع في رواية البيهقيّ من طريق القعنبيّ، عن مالك:"فيعلمني" بالعين بدل الكاف، والظاهر أنه تصحيف، فقد وقع في "الموطإ" روايةِ القعنبيّ بالكاف، وكذا