للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَم يُؤْمَرْ بِهِ)، وفي رواية معمر: "وكان إذا شكّ في أمر، لم يؤمر فيه بشيء، صَنع ما يصنع أهل الكتاب". (فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)؛ أي: موافقةً لأهل الكتاب، (نَاصِيَتَهُ) قال في "التاج": الناصية، والناصاة: قُصَاص الشعر، في مقدم الرأس، والجمع النواصي، قال الأزهريّ: الناصية في كلام العرب: منبت الشعر في مقدم الرأس، لا الشعر الذي تسميه العامة الناصية، وسمى الشعر ناصية؛ لنباته من ذلك الموضِع. انتهى (١).

(ثُمَّ فرَقَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بتخفيف الراء على الأشهر، من بابي نصر، وضرب، كما مرّ آنفًا. (بَعْدُ) بالبناء على الضمّ؛ لِقطعه عن الإضافة، ونيّة معناها؛ أي: بعد ذلك، وفي رواية معمر: "ثم أُمر بالفرق، ففرَق"، وكان الفرق آخر الأمرين.

قال في "الفتح": وكأن السر في ذلك أن أهل الأوثان، أبعد عن الإيمان، من أهل الكتاب، ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة، فكان يُحب موافقتهم؛ ليتألّفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه، والذين حوله، واستمرّ أهل الكتاب على كفرهم، تمحّضت المخالفة لأهل الكتاب.

وقال القرطبيّ: قال القاضي عياض: سَدْل الشعر إرساله، والمراد به هنا عند العلماء: إرساله على الجبين، واتخاذه كالقَصَّة، يقال: سدل شعره، وثوبه: إذا أرسله، ولم يضمّ جوانبه، والفرق: تفريق الشعر بعضه عن بعض، والفرق: تفريقك بين كل شيئين، قال الحربيّ: والمفرّق: موضع الفرق، والفرق في الشعر سُنَّة؛ لأنَّه الذي رجع إليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والظاهر أنه بوحي؛ لقول الراوي: "كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فسدل، ثم فرق بَعْدُ"، فظاهره: أنه لأمر من الله تعالى، حتى جعله بعضهم نَسْخًا، وعلى هذا لا يجوز السَّدل، ولا اتِّخاذ الناصية والْجُمَّة، وقد روي: أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حَرَسًا يجزُّون كل من لم يفرق شعره.


(١) "تاج العروس" ١/ ٨٦٢٥.