في قول عائشة -رضي الله عنها-: "كان -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب" على أن شَرْعهم شَرْع له، فتأمَّل ذلك.
قال: واختلاف هذه الأحاديث في كيفية شَعْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو اختلاف أحوال؛ إذ قد فعل ذلك كله، فقد سدل، وفرق، وكان شعره لِمَّة، ووفرة، وجُمَّة. وقد روى الترمذيّ من حديث أم هانئ -رضي الله عنها- قالت:"قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، وله أربع غدائر"، قال: هذا حديث حسن صحيح.
والغدائر: الضفائر، قال امرؤ القيس [من الطويل]:
غدائره مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا … تَضِلُّ الْعِقَاصُ في مُثَنًّى ومُرْسَلِ
انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١).
وقال الحافظ: وقد جزم الحازميّ بأن السدل نُسِخ بالفرق، واستدلّ برواية معمر حيث قال:"ثم أُمر بالفرق، ففرق وكان الفرق آخر الأمرين"، قال الحافظ: وهو ظاهر.
وقال النوويّ: الصحيح المختار جواز السدل والفرق، وأن الفرق أفضل، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأرجح القول بأن السدل منسوخ بالفرق؛ كما دلّت عليه رواية معمر المذكورة آنفًا، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: واختلفوا في معنى قوله: "يحب موافقة أهل الكتاب"، فقيل: فَعَله اسئتلافًا لهم في أول الإسلام، وموافقةً لهم على مخالفة عبدة الأوثان، فلما أغنى الله تعالى عن استئلافهم، وأظهر الإسلام على الدين كله صرّح بمخالفتهم في غير شيء، منها: صبغ الشيب.
وقال آخرون: يَحْتَمِل أنه أُمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه شيء، وإنما كان هذا فيما عَلِم أنهم لم يبدّلوه.
واستدَلّ به بعضهم، على أن شَرْع من قبلنا شَرْع لنا، حتى يَرِد في شرعنا ما يخالفه، وعَكَس بعضهم، فاستَدَلّ به على أنه ليس بشرع لنا؛ لأنه لو كان