للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وأما معنى هذه اللفظة، فالروايتان بمعنى واحد، أعني: رواية الهمز ورواية الثاء، ومعناها: فَزِعْتُ، ورُعِبْتُ.

وقد جاء في رواية البخاريّ: "فَرُعِبْتُ"، قال أهل اللغة: جُئِثَ الرجلُ: إذا فَزعَ، فهو مَجْؤوثٌ، قال الخليل والكسائيّ: جُئِثَ، وجُثَّ، فهو مجؤوثٌ، ومَجْثُوثٌ، أي: مذعورٌ، فَزعٌ. انتهى (١).

وفي رواية يحيى بن أبي كثير: "فأخذتني رَجْفةٌ شديدةٌ".

(مِنْهُ) أي: من الملك الجالس على الكرسيّ (فَرَقًا) منصوب على أنه مفعول مطلق لـ "جُثِثتُ" من غير لفظه، كقدت جلُوسًا، وهو بفتحتين مصدر فَرِقَ بكسر الراء، من باب تَعِبَ: إذا خاف وفزع (٢). (فَرَجَعْتُ) أي: إلى أهله، ففي رواية يحيى: "فأتيت خديجة، فقلت: دثّروني … " (فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) أمر من التزميل، أي: التلفيف، فهو بمعنى دثّروني، وفي رواية للبخاريّ: "فقلت: دثّروني" (فَدَثَّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١] قال العلماء: "المدثر"، و"المزمل"، و"المتلفف"، و"المشتمل" بمعنى واحد، ثم الجمهور على أن معناه: المدثر بثيابه، وحَكَى الماورديّ قولًا عن عكرمة أن معناه: المدثر بالنبوة وأعبائها.

{قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر: ٢] أي: خَوِّف أهل مكة وحَذِّرهم العذاب إن لم يُسْلِموا، وقيل: الإنذار هنا إعلامهم بنبوته؛ لأنه مقدمة الرسالة، وقيل: هو دعاؤهم إلى التوحيد؛ لأنه المقصود بها، وقال الفراء: قُمْ، فَصَلّ، وأْمر بالصلاة {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)} [المدثر: ٣] أي: سَيِّدك، ومالكك، ومُصْلِح أمرك فعَظِّمه، وصِفْهُ بأنه أكبر من أن يكون له صاحبة أو ولد، وقيل: إنهم قالوا: بم تفتتح الصلاة؟ فنزلت: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)} أي: وَصِفْه بأنه أكبر، قال ابن العربي: وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة، فإنه مراد به التكبير والتقديس والتنزيه، لخلع الأنداد والأصنام دونه، ولا تَتّخِذ وليًّا غيره، ولا تعبد سواه، ولا تَرَ لغيره فعلًا إلا له، ولا نعمة إلا منه.


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٠٧.
(٢) "المصباح" ٢/ ٤٧١ و"القاموس" ص ٨٢٥.