لَا هُمَّ إِنَّ عَامِرَ بْنَ جَهْمِ … أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَابٍ دُسْمِ (١)
ومن ذهب إلى القول الثاني قال: إن تأويل الآية: وقلبك فطهّر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ودليله قول امرئ القيس: [من الطويل]:
أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ … وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ هَجْرِي فَأَجْمِلِي
وَإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ … فَسُقَي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
أي: قلبي من قلبك، قال الماورديّ: ولهم في تأويل الآية وجهان: أحدهما: معناه: وقلبك فطهِّر من الإثم والمعاصي، قاله ابن عباس وقتادة، والثاني: وقلبك فطَهِّر من الغَدْر، أي: لا تَغْدِر، فتكون دَنِسَ الثياب، وهذا مروي عن ابن عباس، واستشهد بقول غيلان بن سَلَمَة الثقفيّ [من الطويل]:
فَإِنِّي بِحَمْدِ الله لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ … لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
ومن ذهب إلى القول الثالث قال: تأويل الآية: ونفسك فطَهّر، أي: من الذنوب، والعرب تَكْنِي عن النفس بالثياب، قاله ابن عباس، ومنه قول عنترة [من الكامل]:
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ ثِيَابَهُ … لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحَرَّمِ
وقال امرؤ القيس:
فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
وقال [من الطويل]:
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ … وَأَوْجُهُهُمْ بِيضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ
أي: أنفس بني عوف.
ومن ذهب إلى القول الرابع قال: تأويل الآية: وجسمك فطهّر، أي: عن المعاصي الظاهرة، ومما جاء عن العرب في الكناية عن الجسم بالثياب قول ليلى، وذكرت إبلًا [من الطويل]:
رَمَوْهَا بِأَثْيَابٍ خِفَافٍ فَلَا تَرَى … لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ المُنَفَّرَا
أي رَكِبُوها، فرَمَوها بأنفسهم.
(١) ومعنى "أوذم الحجّ": أوجبه، ومعنى "ثياب دُسْم": متلطّخة بالذنوب؛ أي: إنه حجّ، وهو متدنّس بالذنوب.