للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيضًا، وأبعدُ منه قول من قال: بُعث في رمضان، وهو ابن أربعين سنةً وشهرين، فإنه يقتضي أنه وُلد في شهر رجب، قال الحافظ: ولم أر من صرَّح به، ثم رأيته كذلك مصرَّحًا به في تاريخ أبي عبد الرحمن العتقيّ، وعزاه للحسين بن عليّ، وزاد: لسبع وعشرين من رجب، وهو شاذّ.

ومن الشاذّ أيضًا ما رواه الحاكم من طريق يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيِّب، قال: أُنزل على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو ابن ثلاث وأربعين، وهو قول الواقديّ، وتبعه البلاذريّ، وابن أبي عاصم، وفي تاريخ يعقوب بن سفيان وغيره، عن مكحول، أنه بُعث بعد ثنتين وأربعين. انتهى (١).

(فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ)؛ يعني: بعد البعثة، وقبل الهجرة، وهذا مما اختُلِف فيه، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يُختَلَف أنه أقام بالمدينة عشرًا (٢).

(وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ) ولا خلاف في هذا، كما مرّ آنفًا. (وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً) هذا أحد قَوْلي أنس -رضي الله عنه-، وفي الرواية الأخرى عنه: "ثلاث وستين"، ووافقه على ذلك عبد الله بن عباس، ومعاوية، وعائشة -رضي الله عنهم-، وهو أصحُّ الأقوال، وأصحُّ الروايات، على ما ذكره البخاريّ، وقد ذُكر عن أنس: خمس وستين سنة، وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس، ولا خلاف أنه -صلى الله عليه وسلم- وُلد عام الفيل، قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ذَكَرَ في الباب ثلاث روايات:

إحداها: أنه -صلى الله عليه وسلم- تُوُفّيَ، وهو ابن ستين سنةً، والثانية: خمس وستون، والثالثة: ثلاث وستون، وهي أصحها، وأشهرها، رواه مسلم هنا من رواية عائشة، وأنس، وابن عباس -رضي الله عنهم-.

واتَّفَقَ العلماء على أن أصحها ثلاث وستون، وتأوّلوا الباقي عليه، فرواية ستين اقتصر فيها على العقود، وترك الكسر، ورواية الخمس متأولة أيضًا، وحَصَل فيها اشتباه، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله: "خمس وستون"،


(١) "الفتح" ٨/ ٢٠٨، كتاب "المناقب" رقم (٣٥٤٨).
(٢) "المفهم" ٦/ ١٣٩.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٣٩.