وَنَسبه إلى الغلط، وأنه لم يُدرِك أول النبوة، ولا كثرت صحبته، بخلاف الباقين. واتَّفَقُوا أنه -صلى الله عليه وسلم- أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، وبمكة قبل النبوة أربعين سنة، وإنما الخلاف في قَدْر إقامته بمكة بعد النبوة، وقبل الهجرة، والصحيح أنها ثلاث عشرة، فيكون عمره ثلاثًا وستين، وهذا الذي ذكرناه أنه بُعث على رأس أربعين سنة، هو الصواب المشهور الذي أَطْبَقَ عليه العلماءُ، وحَكَى القاضي عياض عن ابن عباس، وسعيد بن المسيِّب روايةً شاذّةً أنه -صلى الله عليه وسلم- بُعث على رأس ثلاث وأربعين سنة، والصواب أربعون كما سبق، ووُلد عام الفيل على الصحيح المشهور، وقيل: بعد الفيل بثلاث سنين، وقيل: بأربع سنين، وادَّعَى القاضي عياض الإجماع على عام الفيل، وليس كما ادَّعَى.
واتَّفَقُوا أنه وُلد يوم الاثنين، في شهر ربيع الأول، وتُوفي يوم الاثنين، من شهر ربيع الأول، واختلفوا في يوم الولادة، هل هو ثاني الشهر، أم ثامنه، أم عاشره، أم ثاني عشرة؟ ويوم الوفاة ثاني عشرة ضُحًى، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).
وقال في "الفتح" عند قوله: "لَبِث بمكة عشر سنين، ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرًا" ما نصّه: هذا يخالف المرويّ عن عائشة عقبه أنه عاش ثلاثًا وستين إلا أن يُحْمَل على إلغاء الكسر، كما قيل مثله في حديث أنس -رضي الله عنه-، وأكثر ما قيل في عمره: إنه خمس وستون سنةً، أخرجه مسلم من طريق عَمّار بن أبي عمّار، عن ابن عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عباس، وهو مغاير لحديث الباب؛ لأن مقتضاه أن يكون عاش ستين إلا أن يُحْمَل على إلغاء الكسر، أو على قول من قال: إنه بُعث ابن ثلاث وأربعين، وهو مقتضى رواية عمرو بن دينار، عن ابن عباس: أنه مكث بمكة ثلاث عشرة، ومات ابن ثلاث وستين، وفي رواية هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس:"لبث بمكة ثلاث عشرة، وبُعث لأربعين، ومات وهو ابن ثلاث وستين"، وهذا موافق لقول الجمهور.