للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل: أن كل مَن رُوي عنه من الصحابة ما يخالف المشهور، وهو ثلاث وستون، جاء عنه المشهور، وهم ابن عباس، وعائشة، وأنس، ولم يُختلف على معاوية أنه عاش ثلاثًا وستين، وبه جزم سعيد بن المسيِّب، والشعبيّ، ومجاهد، وقال أحمد: هو الثبت عندنا، وقد جَمَع السهيليّ بين القولين المحكيين بوجه آخر، وهو أن من قال: مكث ثلاث عشرة عَدّ من أول ما جاءه الملك بالنبوة، ومن قال: مكث عشرًا أخذ ما بعد فترة الوحي، ومجيء الملَك بـ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١]، قال الحافظ: وهو مبنيّ على صحة خبر الشعبيّ الذي نقلته من تاريخ الإمام أحمد في بدء الوحي، ولكن وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد ما يخالفه.

ومن الشذوذ ما رواه عمر بن شَبّة أنه عاش إحدى، أو اثنتين وستين، ولم يبلغ ثلاثًا وستين، وكذا رواه ابن عساكر من وجه آخر، أنه عاش اثنتين وستين ونصفًا، وهذا يصح على قول من قال: وُلد في رمضان، وهو شاذّ من القول، وقد جَمَع بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون جَبَر الكسر، وفيه نظر؛ لأنه يخرج منه أربع وستون فقط، وقَلّ من تنبّه لذلك. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تحصّل من مجموع ما ذُكر من الروايات أن أصحها أنه -صلى الله عليه وسلم- بُعث وهو ابن أربعين سنةً، فعاش بمكة ثلاث عشرة، وبالمدينة عشرًا، وتُوفّي وهو ابن ثلاث وستون سنةً، والله تعالى أعلم.

(وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قد قلنا: إن هذا منه تقديرٌ على جهة التقليل، وذكرنا أن شيبة -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر من هذا. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء"؛ أي: بل دون ذلك، ولابن أبي خيثمة من طريق أبي بكر بن عياش: قلت لربيعة: جالستَ أنسًا؟ قال: نعم، وسمعته يقول: شاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين


(١) "الفتح" ٩/ ٦٢٠، كتاب "المغازي" رقم (٤٤٦٤).
(٢) "المفهم" ٦/ ١٣٩.