ابن عبّاس الأخرى التي وافق فيها الجمهور، من أنه -صلى الله عليه وسلم- عاش ثلاثًا وستين سنةً، وهو الصواب، فتنبّه.
وأوَّلَه بعضهم على أنه من باب جبر الكسر؛ أي: بإدخال سنتي الولادة، والوفاة، ولا يخفى ما فيه، والله تعالى أعلم.
وقوله:(يَأْمَنُ) من باب تَعِبَ، (وَيَخَافُ) في محل نصب على الحال؛ أي: مكث في مكة خمس عشرة سنة حال كونه آمنًا على نفسه من المشركين أحيانًا، وخائفًا عليها منهم أحيانًا أخرى.
قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "خمس عشرة سنة، يأمن، ويخاف"؛ يعني: أنه كان في تلك الحال غير مستقلّ لإظهار أمره، فكان إذا أخفى أمره تركوه، فأَمِنَ على نفسه، وإذا أعلن أمره، وأفشاه، بأن يدعوهم إلى الله تعالى، ويقرأ عليهم القرآن، تكالبوا عليه، وهمُّوا بقتله، فيخاف على نفسه إلى أن أخبره الله تعالى بعصمته منهم، فأنزل الله عليه قوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)} [المائدة: ٦٧]، فلم يكن يبالي بهم (١).
(وَعَشْر) هكذا معظم النُّسخ دون إضافة، فيَحْتَمِل أن يكون منصوبًا منوّنًا على لغة ربيعة، فإنهم يقفون على المنصوب المنوّن بالسكون، ويُكتب على لغتهم بلا ألف، ويَحْتَمِل أن يكون غير منوّن؛ لإضافته إلى مقدّر؛ أي: عشر سنين، ووقع في بعض النسخ بلفظ:"عشرًا"، وهو واضح، والمعنى هنا: وأمسك عشر سنين، (مِنْ مُهَاجَرِهِ) بفتح الجيم، يَحْتَمِل أن يكون مصدرًا ميميًّا على حذف مضاف؛ أي: من وقت هجرته، ويَحْتَمِل أن يكون ظرف زمان؛ لأن وزن مُفَاعَل بضمّ الميم، وفتح العين يصلح لأربعة أشياء: المصدر الميميّ، واسم المفعول، وظرفي الزمان والمكان، كما هو معرف في فنّ الصرف، فتنبّه. (إِلَى الْمَدِينَةِ) متعلّق بما قبله؛ يعني: أنه -صلى الله عليه وسلم- مكث في المدينة بعد الهجرة عشر سنين، وهذا مما لا خلاف فيه، كما سبق تحقيقه، والله تعالى أعلم.