للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بصائرهم، ولا أنظارهم، فهو قول باطل؛ لِمَا يُعْلَم قطعًا أنهم مكلّفون بمعرفة الله، ومعرفة صفاته، وأحكامه، ومأمورون بها، والضروريّ لا يكلَّف به؛ لأنَّه حاصل، والحاصل لا يُطْلَب، ولا يبتغَى، ولأن الإنسان لا يتمكن من ترك ما جُبل عليه، ولا من فِعله، وما كان كذلك لم يقع في الشريعة التكليف به بالنصّ والإجماع، وإنما الخلاف في جوازه عقلًا، وإن أراد به أن تلك العلوم تصير في حقهم ضرورية بعد تحصيلها بالطرق النظرية، والقيام بالوظائف التكليفية، فتتوالى عليهم تلك العلوم، فلا يتأتى لهم التشكك فيها، ولا الانفكاك عنها، فنقول: ذلك صحيح في حقّ الأنبياء قطعًا، وخصوصًا في حقّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما هو المعلوم من حاله، وحالهم -صلى الله عليه، وعليهم أجمعين -، وأما غيرهم فيجوز أن يُكرم الله تعالى بعض أوليائه بشيء من نوع ذلك، لكن على وجه الندور والقلة، وليس مُطردًا في كل الأولياء، ومن فُتِح له في شيء من ذلك ففي بعض الأوقات، وبعض المعلومات، ويكون ذلك خرقًا للعادات، فإنَّ سُنَّة الله تعالى في العلوم النظرية أنها لا تتوالى، ولا تدوم، ويمكن أن يُشكِّكَ فيما كان منها معلومًا، هذه سُنَّة الله الجارية، وحكمته الماضية، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلًا، ولا تحويلًا. انتهى (١).

١٤ - (ومنها): ما قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ أيضًا: ويُستفاد من هذا الحديث النهي عن التنطع في الدين، وعن الأخذ بالتشديد في جميع الأمور فإنَّ دين الله يُسر، وهو الحنيفية السَّمحة، وإن الله يحب أن تؤتى رُخَصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وحاصل الأمر أن الواجب التمسك بالاقتداء بهدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فما شدَّد فيه التزمناه على شدَّته، وفعلناه على مشقته، وما ترخص فيه أخذنا برخصته، وشكرنا الله تعالى على تخفيفه ونعمته، ومن رغب عن هذا، فليس على سُنَّته، ولا على منهاج شريعته. انتهى (٢).

١٥ - (ومنها): ما قاله أيضًا: وفيه حجَّة على القول بمشروعية الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- في جميع أفعاله، كما نقوله في جميع أقواله، إلا ما دلَّ دليل على أنه


(١) "المفهم" ٦/ ١٥٠ - ١٥١.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٥٠ - ١٥١.