للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُفهَم عنه مقصودهم، وأن لا يكلّفوا النصّ على الدعاوي، ولا تحديد المدّعى فيه، ولا حصره بجميع صفاته، كما قد تنطّع في ذلك قُضاة الشافعيّة.

٩ - (ومنها): مشروعيّة توبيخ من جفا على الحاكم، ومعاقبته.

١٠ - (ومنها): أنه يُسْتَدلّ به على أنَّ للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلّق به، لكن محل ذلك ما لَمْ يؤدّ إلى هتك حرمة الشرع، والاستهانة بأحكامه، فإن أدّى إلى ذلك أُدّب المرتكب، وهذا هو الذي صدر من خصم الزبير، فقد آذى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه لَمْ يقتله؛ لعظيم حِلمه، وكريم صَفْحه؛ امتثالًا لأمر الله - عَزَّ وَجَلَّ - له بقوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥]، وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]، ولئلا يكون قَتْله منفّرًا لغيره عن الدخول في دين الإسلام. قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "المفهم": فلو صدر اليوم مثل هذا من أحد في حقّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقُتل قِتْلَةَ زنديق. انتهى (١).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال العلماء: فلو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الأنصاريّ اليومَ من إنسان، مِنْ نِسْبَته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هوي، كان كفرًا، وجرت على قائله أحكام المرتدين، فيجب قَتْله بشَرْطه، قالوا: وإنما تركه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس، وَيدْفَع بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى المنافقين، ومن في قلبه مرض، ويقول: "يَسِّرُوا، ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تنفروا"، ويقول: "لا يتحدث الناس أن محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقتل أصحابه"، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: ١٣]. انتهى (٢).

١١ - (ومنها): ما حكاه الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ - أن فيه دليلًا على جواز فسخ الحاكم حُكْمه، قال: لأنه كان له في الأصل أن يحكم بأيّ الأمرين شاء، فقدَّم الأسهل إيثارًا لِحُسن الجوار، فلمّا جَهِلَ الخصم موضع حقه، رجع عن حكمه الأول، وحكم بالثاني؛ ليكون ذلك أبلغ في زجره.

وتُعُقّب بأنه لَمْ يثبت الحكم أَوّلًا كما تقدم بيانه.

قال: وقيل: بل الحكم كان ما أَمَرَ به أَوّلًا، فلمّا لَمْ يقبل الخصم ذلك


(١) "المفهم" ٦/ ١٥٧.
(٢) "شرح مسلم" ١٥/ ١٠٨.