للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجوارح، فنسأل الله تعالى الوقاية من الخذلان، وكفاية أحوال الجهَّال والمُجَّان. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو مفيد في بابه، والله تعالى أعلم.

(فَأَنْشَأَ رَجُلٌ) هو عبد الله بن حُذافة، (مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلَاحَى) بالبناء للمفعول؛ أي: يخاصَم، من الملاحاة، وهي المخاصمة والمنازعة، (فَيُدْعَى) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: يُنسب (لِغَيْرِ أَبِيهِ)؛ يعني: يقولون له: يا ابن فلان، وهو غير أبيه، (فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَبُوكَ حُذَافَةُ") وهذا قاله بالوحي، كما هو الظاهر.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فأنشأ رجل من المسجد، كان يُلاحَى، فَيُدْعَى لغير أبيه": أنشأ: أخذ في الكلام، وشرع فيه، ويُلاحَى: يُعيَّرُ، ويُذَم، بأن يُنْسَبَ إلى غير أبيه، ويُنفى عن أبيه، وسببُ هذا ما كانت أنكحة الجاهلية عليه؛ فإنَّها كانت على ضروب كما ذكرناه في "النكاح"، وكان منها: أن المرأة يطؤها جماعة؛ فإذا حملت، فولدت دُعي لها كل من أصابها، فتُلحق الولد بمن شاءت، فيَلحق به، فربما يكون الولد من خسيس القَدْر، فتلحقه بكبير القدر، فإذا نُفي عمن له مقدار، وألحق بمن لا مقدار له لحقه من ذلك نقص وعار. فكانوا يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تحقيق ذلك؛ لِيُنْسَب لأبيه الحقيقيّ الذي وُلد من نطفته، وتزول عنه تلك المعرَّة، فسأل هذان الرجلان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال لأحدهما: "أبوك حذافة"، وقال للآخر: "أبوك سالم"، فتحقَّق نسبهما، وزالت معرَّتهما. انتهى (٢).

(ثُمَّ أَنْشَأَ) قال أهل اللغة: معناه ابتدأ، ومنه أنشأ الله الخلق؛ أي: ابتدأهم، (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، عَائِذًا بِاللهِ) قال ابن السِّيد: هو منصوب على المصدر الذي يجيء على مثال فاعل؛ كقولهم: عُوفي عافيةً، أو على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر، والعامل فيه محذوف، كأنه قال: أعوذ بالله عائذًا، ولم يُذْكَر الفعل؛ لأن الحال نائبة عنه، ورُوي بالرفع؛ أي: أنا عائذ (٣).


(١) "المفهم" ٦/ ١٦٠ - ١٦١.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٦١ - ١٦٢.
(٣) "الفتح" ٢/ ٥٣٨.