للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"عائذٌ" بالرفع؛ أي: أنا عائذ؛ أي: مستجير، والفتن: جمع فتنة، وقد تقدَّم أن أصلها الاختبار، وأنها تنصرف على أمور متعددة، ويعني بها هنا: المحن، والمشقات، والعذاب، ولذلك قال: "من سوء الفتن"؛ أي: من سيئها، ومكروهها، ولما قال ذلك عمر -رضي الله عنه-، وضَمَّ إلى ذلك قوله: "إنا نتوب إلى الله"؛ كما جاء في الرواية الأخرى، سكن غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخذ يُحدِّثهم بما أطلعه الله عليه من أمور الآخرة، فقال: "لم أر كاليوم قطّ في الخير والشر" هذا الكلام محمول على الحقيقة، لا التوسع، والمجاز: فإنَّه لا خير مثل خير الجنَّة، ولا شرَّ مثل شرِّ النار. انتهى (١).

وقال في "العمدة": إنما قال عمر -رضي الله عنه- ذلك؛ إكرامًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشفقةً على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالتكثير عليه، وفيه أن غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس مانعًا عن القضاء؛ لكماله، بخلاف سائر القضاة، وفيه فَهْمُ عمر -رضي الله عنه-، وفضل علمه؛ لأنه خَشِي أن تكون كثرة سؤالهم كالتعنت له، وفيه أنه لا يُسأل العالم إلا عند الحاجة. انتهى (٢).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ)؛ أي: مثل هذا اليوم (قَطُّ)؛ أي: في الزمان الماضي، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قطّ": هي الظرفية الزمانية، ورويناها مفتوحة القاف، مضمومة الطاء مشدَّدة، وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف، وتقال بضمّ القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء، وذلك مع التشديد، والتخفيف، فأمَّا "قَطْ" بمعنى: حَسْبُ، فبتخفيف الطاء، وسكونها، وقد تزاد عليها نون بعدها، فيقال: قَطْني، وقد تحذف النون، فيقال: قطي، وقد تحذف الياء، فيقال: قَطِ، بكسر الطاء، وقد تبدل من الطاء دال مهملة، فيقال: قد، ويقال على تلك الأوجه كلها، كله من "الصحاح". انتهى (٣).

(فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِنِّي صُوِّرَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: مُثّلت (لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائِطِ")؛ يعني: بينه وبين الحائط الذي أمامه -صلى الله عليه وسلم-.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "صوِّرت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا


(١) "المفهم" ٦/ ١٦٢.
(٢) "عمدة القاري" ٢٢/ ٣١١.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٦٢.