للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عيسى، ولا أمه، وفي غير كتاب مسلم: "فذهب الشيطان ليطعن في خاصرته، فطَعَن في الحجاب" (١)؛ أي: في الحجاب الذي حُجِب به عيسى -صلى الله عليه وسلم-، فإمَّا حجاب مهده، وإما حجاب بيته. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

(إِلَّا نَخَسَهُ) بنون وخاء معجمة، ثم سين مهملة؛ أي: طعنه (الشَّيْطَانُ) يقال: نخَستُ الدابّة نخسًا، من باب نصر: طعنته بعود أو نحوه، فهاج، والفاعل: نخّاس مبالغةٌ، ومنه قيل لدلّال الدوابّ ونحوها: نخّاس (٣). (فَيَسْتَهِلُّ)؛ أي: يصيح، ويرفع صوته، وقوله: (صَارِخًا) حال مؤكّد، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: ٦٠]، قال في "الخلاصة":

وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا … فِي نَحْوِ "لَا تَعْثُ فِي الأَرْضٍ مُفْسِدَا"

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فيستهل"؛ أي: يرفع المولود صوته صارخًا؛ أي: باكيًا، والصُّرَاخ: الصوت، والمراد هنا البكاء؛ أي: فسبب صُراخه أوّلَ ما يولد من ألم مسّ الشيطان بإصبعه حالتئذ، وهذا مطّرد في كل مولود، غير مريم بنت عمران الصديقة بنص القرآن، وابنها رُوح الله عيسى، فإنه ذهب ليطعن، فطعن في الحجاب الذي هو الْمَشِيمة، وهذا الطعن ابتداء التسلط، فحُفظ منه مريم، وابنها ببركة قول أمها: {أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: ٣٦]. انتهى (٤).

وقوله: (مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ) تعليل لاستهلاله صارخًا؛ أي: إنما يستهلّ صارخًا من أجل تألّمه بسبب طعنة الشيطان له، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يعني به: أول وقت الولادة حين يستهل أوَّل استهلال، بدليل قوله في الرواية الأخرى: "يوم يولد"؛ أي: حين يولد، والعرب قد تُطلق اليوم، وتريد به الوقت والحين، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا} الآية [الأحقاف: ٣٥]؛ أي: حين يرون، كما تقدَّم في الحديث قبل هذا: "ليأتين على أحدكم يوم لا يراني"؛ أي: زمن ووقت، وهو كثير، وكأنّ النَّخس من الشيطان إشعارٌ منه


(١) رواه البخاريّ (٣٢٨٦)، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٥٢٣.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٧٨.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٥٩٦.
(٤) "فيض القدير" ٥/ ٤٧٥.