للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واختُلِف في السبب الذي حَمَل إبراهيم على هذه الوصية، مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختًا كانت، أو زوجةً، فقيل: كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، كذا قيل، ويحتاج إلى تَتِمَّة، وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة، لكن إن عَلِم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله، وإعدامه، أو حَبْسه، وإضراره، بخلاف ما إذا عَلِم أن لها أخًا، فإن الغيرة حينئذ تكون من قِبَل الأخ خاصّة، لا من قِبَل الملك، فلا يبالي به.

وقيل: أراد: إن عَلِم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق.

قال الحافظ: والتقرير الذي قررته أولًا جاء صريحًا عن وهب بن منبه، فيما أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره" من طريقه.

وقيل: كان من دِين الملِك أن الأخ أحقّ بأن تكون أخته زوجته من غيره، فلذلك قال: هي أختي؛ اعتمادًا على ما يعتقده الجبار، فلا ينازعه فيها.

وتُعُقّب بأنه لو كان كذلك لقال: هي أختي، وأنا زوجها، فلم اقتصر على قوله: هي أختي، وأيضًا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها، لا أن يغتصبها نفسها.

وذكر المنذريّ في "حاشية السنن" عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها، حتى يقتل زوجها، فلذلك قال إبراهيم: "هي أختي"؛ لأنه إن كان عادلًا خطبها منه، ثم يرجو مدافعته عنها، وإن كان ظالِمًا خلص من القتل.

قال الحافظ: وليس هذا ببعيد مما قررته أوّلًا، وهذا أُخذ من كلام ابن الجوزي في "مشكل الصحيحين"، فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب، أنه سأله عن ذلك، فأجاب به.

وقال القرطبيّ: "يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ" قيل: إن ذلك الجبَّار كانت سيرته أنه لا يغلبُ الأخ على أخته، ولا يظلمه فيها، وكان يغلب الزوج على زوجته، وعلى هذا يدلّ مساق هذا الحديث، وإلا فما الذي فرَّق بينهما في حق جبَّار ظالم؟ انتهى (١).


(١) "المفهم" ٦/ ١٨٥.