للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإنْ سَأَلَكِ، فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الإِسلَامِ)؛ أي: لا في النسب، فلا يكون كذبًا في الحقيقة، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا صحيح، ليس فيه من الكذب شيء، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠]، لكن لما كان الأسبق للفهم من لفظ الإخوة إنما هي أخوَّة النسب، كان من باب المعاريض؛ لأنَّ ظاهر اللفظ يوهم شيئًا، ومراد المتكلم غيره، وأُطلق عليه كذب توسُّعًا، وأطلق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليها كذبًا؛ لأنَّ الله تعالى قد أعلمه أن إبراهيم يُطلق ذلك على نفسه يوم القيامة كما تقدم في "كتاب الإيمان"، وأيضًا: فليُنبَّه بذلك على أن الأنبياء -عَلَيْهِمُ السَّلام- منزَّهون عن الكذب الحقيقيّ؛ لأنَّهم إذا كانوا يَفْرَقُون من مثل هذه المعاريض التي يجادلون بها عن الله تعالى، وعن دينه، وهي من باب الواجب، كان أحرى، وأَولى أن لا يصدر عنهم شيء من الكذب الممنوع. انتهى (١).

(فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ) هذا يُشكل عليه كون لوط كان معه، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: ٢٦]، ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض: الأرض التي وقع له فيها ما وقع، ولم يكن معه لوط إذ ذاك.

(فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ)؛ أي: أرض الجبّار، (رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ)، وفي "كتاب التيجان" أن قائل ذلك رجل كان إبراهيم يشتري منه الْقَمْح، فَنَمّ عليه عند الملك، وذكر أن من جملة ما قاله للملك: إني رأيتها تطحن، وهذا هو السبب في إعطاء الملك لها هاجر في آخر الأمر، وقال: إن هذه لا تصلح أن تخدُم نفسها (٢)، فـ (آتَاهُ)؛ أي: الجبّار، (فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ، لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ)؛ أي: لأنها من أحسن الناس، وأجملهم، (فَأَرْسَلَ) الجبّار (إِلَيْهَا)؛ أي: إلى سارة، (فَأُتيَ بِهَا) بالبناء للمفعول، (فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلام- إِلَى الصَّلَاةِ)؛ أي: ليتضرّع إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ويستعين بها على دفع ما وقع له من تسلّط الجبّار على زوجته، كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} الآية [البقرة: ٤٥]،


(١) "المفهم" ٦/ ١٨٦.
(٢) "الفتح" ٧/ ٦٤٩.