للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والجواب: أن الله لَمْ يبعث ملك الموت لموسى، وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى ملك الموت؛ لأنه رآه آدميًّا، دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذنه. وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم، وإلى لوط في صورة آدميين، فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم، لَمَا قدّم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لَمَا خاف عليهم من قومه.

وعلى تقدير أن يكون عرفه، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى، فلم يقتصّ له؟.

ولخّص الخطّابيّ كلام ابن خزيمة، وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه؛ لِمَا رُكّبَ فيه من الحدّة، وأن الله ردّ عين الملك؛ ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله؛ فلهذا استسلم حينئذ.

وقال الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معلمًا لخلقه، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلّغ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسالته، وبَيَّن عن آياته بألفاظ مجملة، ومفسرة، عَقَلها عنه أصحابه، أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يُدْرِك معناه من لَمْ يُحْرَم التوفيق لإصابة الحقّ، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- رسالةَ ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أَجِبْ ربك" أمر اختبار وابتلاء، لا أمرًا يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله -صلى الله على نبينا وعليه- بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عَزَم على ذبح ابنه، وتَلَّه للجبين، فداه بالذبح العظيم، وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رُسُله في صُوَر لا يعرفونها، كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-، ولم يعرفهم، حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسؤاله إياه عن الإيمان، والإسلام، فلم يعرفه المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى وَلَّى، فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- عليها، وكان موسى غَيُورًا، فرأى في داره رجلًا لَمْ يعرفه، فشال يده، فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يَتصور بها، لا الصورة التي خلقه الله