لا يطول عمر إنسان، ولا ينقص إلَّا وهو في كتابٍ أي: اللوح المحفوظ، وهكذا يدلّ قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أن للإنسان أجلين، يقضي الله -عَزَّ وَجَلَّ- له بما يشاء منهما، من زيادة، أو نقص، ويدلّ على هذا أيضًا ما في "الصحيحين"، وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن صلة الرحم تزيد في العمر. وفي لفظ في "الصحيحين": "من أحبّ أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فلْيَصِل رحمه". وفي لفظ:"من أحبّ أن يمدّ الله في عمره وأجله، ويبسط له في رزقه، فليتق الله، وليصل رحمه". وفي لفظ:"صلة الرحم، وحسن الخلق يعمّران الديار، ويزيدان من الأعمار".
ومن أعظم الأدلة ما ورد في الكتاب العزيز من الأمر بالدعاء؛ لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠]، وقوله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل: ٦٢]، وقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦]، وقوله:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٣٢]، والأحاديث المشتملة على الأمر بالدعاء متواترة، وفيها: إن الدعاء يدفع البلاء، ويردّ القضاء، وفيها: أن الدعاء هو العبادة، وفيها: الاستعاذة من سوء القضاء، كما ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في "الصحيح" أنه قال: "اللَّهم إني أعوذ بك من سوء القضاء"، كما ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"وَقِنِي شرّ ما قضيت".
فإذا كان الدعاء لا يفيد شيئًا، وأنه ليس للإنسان إلَّا ما قد سبق في القضاء الأزليّ، لكان أمْره بالدعاء لغوًا، لا فائدة فيه، وكذلك وَعْده بالإجابة للعباد الداعين، وهكذا تكون استعاذة النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لغوًا لا فائدة فيها، وهكذا يكون ما ثبت في الأحاديث المتواترة المشتملة على الأمر بالدعاء، وأنه عبادة لغوًا، لا فائدة فيها، وهكذا يكون قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وقني شرّ ما قضيت" لغوًا، لا فائدة فيه، وهكذا يكون أمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتداوي، وأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما أنزل من داء، إلَّا وله دواء لغوًا لا فائدة فيه، مع ثبوت الأمر بالتداوي في "الصحيح" عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[فإن قلت]: فعلى مَا يُحمل ما تقدّم من الآياتِ القاضية بأن الأجل لا يتقدم، ولا يتأخّر، ومن ذلك قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: ٣٤]؟.