للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[قلت]: قد أجاب عن ذلك بعض السلف، وتبعه الخلف، بأن هذه الآية مختصّة بالأجل إذا حضر، فإنه لا يتقدّم، ولا يتأخّر عند حضوره.

ويؤيد هذا أنَّها مقيدة بذلك، فإنه قال: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ}، ومثل هذا التقييد المذكور في هذه الآية قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١)} [المنافقون: ١١]، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} [نوح: ٤]، فقد أمكن الجمع بحمل هذه الآيات على هذا المعنى، فإذا حضر الأجل لَمْ يتقدّم، ولم يتأخّر، وفي غير هذه الحالة يجوز أن يؤخّره الله بالدعاء، أو بصلة الرحم، أو بفعل الخير. ويجوز أن يقدَّم لمن عمل شرًّا، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل، وانتهك محارم الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

[فإن قلت]: فعلى مَا يُحمل قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} [الحديد: ٢٢]، وقوله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} الآية [التوبة: ٥١]، وكذلك معنى ما ورد في هذا المعنى؟.

[قلت]: هذه أوّلًا معارَضة بمثلها، مثل قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠]، ومثل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح القدسيّ: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنّ إلا نفسه".

وثانيًا: بإمكان الجمع بحَمْل مثل قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} على عدم التسبب من العبد بأسباب الخير من الدعاء، وسائر أفعال الخير، وحَمْل ما ورد فيما يخالف ذلك على وقوع التسبب بأسباب الشرّ المقضية لأمان المكروه (١)، ووقوعه على العبد.

وهكذا يكون الجمع بين الأحاديث الواردة لِسَبْق القضاء، وأنه فُرغ من تقدير الأجل، والرزق، والسعادة، والشقاوة، وبين الأحاديث الواردة في صلة


(١) هكذا النسخة، وفيها ركاكة، فليُحرّر.