الرحم بأنها تزيد في العمر، وكذلك سائر أعمال الخير، وكذلك الدعاء.
فتُحمل أحاديث الفراغ من القضاء على عدم تسبّب العبد بأسباب الخير والشرّ، وتُحمل الأحاديث الأخرى على أنه قد وقع من العبد التسبب بأسباب الخير، من الدعاء، والعمل الصالح، وصلة الرحم، أو التسبب بأسباب الشرّ.
[فإن قلت]: قد تقرر بالأدلّة من الكتاب بأن علمه -عَزَّ وَجَلَّ- أزليّ، وأنه قد سبق في كل شيء، ولا يصحّ أن يقدّر وقوع غير ما قد علمه، وإلا انقلب العلم جهلأ، وذلك لا يجوز إجماعًا.
[قلت]: عِلْمه -عَزَّ وَجَلَّ- سابق أزليّ، وقد عَلِم ما يكون قبل أن يكون، ولا خلاف بين أهل الحقّ من هذه الحيثية، ولكنه غلا قوم، فأبطلوا فائدة ما ثبت في الكتاب والسُّنَّة من الإرشاد إلى الدعاء، وأنه يردّ القضاء، وما ورد في الاستعاذة منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سوء القضاء، وما ورد من أنه يصاب العبد بذنبه، وبما كسبت يده، ونحو ذلك، مما جاءت به الأدلة الصحيحة، وجعلوه مخالفًا لسبق العلم، ورتّبوا عليه أنه يلزم انقلاب العلم جهلًا، والأمر أوسع من هذا، والذي جاءنا بسبق العلم، وأزليته هو الذي جاءنا بالأمر بالدعاء، والأمر بالدواء، وعرَّفَنا بأن صلة الرحم، تزيد في العمر، وأن الأعمال الصالحة تزيد أيضًا، وأن أعمال الشرّ تمحقه، وأن العبد يصاب بذنبه، كما يصل إلى الخير، ويندفع عنه الشرّ بكسب الخير، والتلبّس بأسبابه، فإعمال بعض ما ورد في الكتاب والسُّنَّة، وإهمال البعض الآخر، ليس كما ينبغي، فإن الكلّ ثابت عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والكلّ شريعة واضحة، وطريق مستقيمة، والجمع ممكن بما لا إهمال فيه لشيء من الأدلّة.
وبيانه أن الله تعالى كما علم أن العبد يكون له في العمر كذا، ومن الرزق كذا، وهو من أهل السعادة، أو الشقاوة، قد علم أنه إذا وصل رَحِمَه زاد له في الأجل كذا، وبسط له من الرزق كذا، وصار في أهل السعادة بعد أن كان في أهل الشقاوة، أو صار في أهل الشقاوة بعد أن كان في أهل السعادة، وهكذا قد علم ما ينقصه للعبد، كما علم أنه إذا دعاه، واستغاث به، والتجأ إليه صرف عنه الشرّ، ودفع عنه المكروه، وليس في ذلك خُلْف، ولا مخالفة لِسَبْق العلم، بل فيه تقييد المسببات بأسبابها، كما قدّر الشبع والرّيّ