للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالأكل والشرب، وقدّر الولد بالوطء، وقدّر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط المسبَّبات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق، أو يُنافيه بوجه من الوجوه؟

ولو قال قائل: أنا لا آكل، ولا أشرب، بل أنتظر القضاء، فإن قدّر الله ذلك كان، وإن لَمْ يقدّره لَمْ يكن، أو قال: أنا لا أجامع زوجتي، أو أَمَتِي ليحصل منهما الذرية، بل إن قدّر الله ذلك كان، وإن لَمْ يقدّره لَمْ يكن، لكان هذا مخالفًا لِمَا عليه رسل الله، وما جاءت به كتبه، وما كان عليه صلحاء الأمة، وعلماؤها، بل يكون مخالفًا لِمَا عليه هذا النوع الإنسانيّ، من أبينا آدم إلى الآن، بل يكون مخالفًا لما عليه جميع الحيوانات في البرّ والبحر، فكيف يُنكر وصول العبد بدعائه، أو بعمله الصالح؛ فإن هذا من الأسباب التي ربط الله مسبباتها، وعَلِمها قبل أن تكون، فعِلْمه على كل تقدير أزليّ في المسببات على حصول أسبابها. ولم يعدّ العادّ من أَمثال هذه الآياتِ القرآنية، وما ورد موردها من الأحاديث النبوية.

وهل ينكر هؤلاء الغُلاة مثل هذا، أو يجعلونه مخالفًا لسبق العلم، مباينًا لأزليته؟. فإن قالوا: نعم، فقد أنكروا ما في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- من فاتحته إلى خاتمته، وما في السُّنَّة المطهرة من أولها إلى آخرها، بل أنكروا أحكام الدنيا والآخرة جميعًا؛ لأنَّها كلها مسببات مترتبة على أسبابها، وجزاءات معلَّقة بشروطها، ومن بلغ إلى هذا في الغباوة، وعدم تعقّل الحجة لَمْ يستحقّ المناظرة، ولا ينبغي معه الكلام فيما يتعلّق بالدين، بل ينبغي إلزامه بإهمال أسباب ما فيه صلاح معاشه، وأمر دنياه حتى يغشى عن غفلته، ويستيقظ من نومته، ويرجع عن ضلالته وجهالته.

ثم يقال لهم: هذه الأدعية الثابتة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دواوين الإسلام، وما يلحق بها من كتاب السُّنَّة المطهرة، قد علم كل من له علم أنَّها كثيرة جدًّا، بحيث لا يحيط بأكثرها إلَّا مؤلف بسيط، ومصنّف حافل، وفيها تارة استجلاب الخير، وفي أخرى استدفاع الشرّ، وتارة متعلّقة بأمور الدنيا، وتارة بأمور الآخرة، ومن ذلك تعليمه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته ما يدعون به في صلاتهم، وعقب صلواتهم، وفي صباحهم، ومسائهم، وفي ليلهم، ونهارهم، وعند نزول