للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشدائد، وعند حصول نِعَم الله إليهم، هل كان هذا منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير، جالبة لِمَا فيه مصلحة، دافعة لما فيه مفسدة؟

[فإن قالوا]: نعم، قلنا: فحينئذ لا خلاف بيننا وبينكم، فإن هذا الاعتراف يدفع عنا، وعنكم مَعَرَّة الاختلاف، ويريحنا من التطويل في الكلام على ما أوردتموه.

[وإن قالوا]: ليس ذلك لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير، جالبة لما فيه مصلحة، دافعة لما فيه مفسدة، فهم أجهل من دوائهم (١)، وليس للمحاجة لهم فائدة، ولا في المناظرة معهم نَفْع.

يا عجباه كلّ العجب، أَمَا بلغهم ما كان عليه أمْر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يعمل من أول نبوّته إلى أن قبضه الله إليه من الدعاء لربه، والإلحاح عليه، ورفع يديه عند الدعاء حتى يبدو بياض إبطيه، وحتى يسقط رداؤه، كما وقع منه في يوم بدر، فهل يقول عاقل، فضلًا عن عالم: إن هذا الدعاء منه (٢) فَعَله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يعلم أنه لا فائدة فيه، ولا انتفاع به، ومعلوم أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلم بربه، وبقضائه وقَدَره، وبأزليته، وسبق علمه بما يكون في بريّته، فلو كان الدعاء منه، ومن أمته لا يفيد شيئًا، ولا ينفع نفعًا لَمْ يفعله، ولا أرشد الناس إليه، ولا أمَرهم به، فإن ذلك نوع من العبث الذي ينزّه كل عاقل، فضلًا عن خير البشر، وسيد ولد آدم عنه، لِمَ لَمْ يقل لهم: إذا كان القضاء واقعًا لا محالة، فإنه لا يدفعه شيء من الدعاء، والالتجاء، والإلحاح، والاستغاثة؟ فكيف لَمْ يتأدب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع ربّه؟، فإنه قد صحّ عنه أنه استعاذ بالله -عَزَّ وَجَلَّ- من سوء القضاء، كما عرّفناك، وقال: "وقني شرّ ما قضيت"، فكيف يقول هؤلاء الغلاة في الجواب عن هذا؟ أو على أيّ محمل يحملونه؟

ثم ليت شِعْري علام يحملون أمره -عَزَّ وَجَلَّ- لعباده بدعائه، بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ثم عقّب ذلك بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠]؛ أي: عن دعائي، كما صرّح


(١) هكذا النسخة، والظاهر أنه مصحّف "من دابّهم"، والله أعلم.
(٢) هكذا النسخة، والظاهر أن الصواب إسقاط "منه"، فليُحرّر.