وشَرَطه بشروط، وعلّقه بأسباب، فعلم مثلًا أن الكافر يُسلم، ويدخل في الدين بعد دعائه إلى الإسلام، أو مقاتلته على ذلك، وأن العباد يَعمل منهم من يعمل بما يَعِدهم الله به بعد بَعْثه رسله، وإنزال كتبه عليهم.
[قلنا لهم]: فعليكم أن تقولوا هكذا في الدعاء، وفي أعمال الخير، وفي صلة الرحم، ولا نطلب منكم إلَّا هذا، ولا نريد غيره، وحينئذ قد دخلتم إلى الوفاق من طريق قريبة، فعلام هذا الجدال الطويل العريض، واللجاج الكبير الكثير؟ فإنا نقول: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد علم في سابق علمه أن فلانًا يطول عمره إذا وَصَل رحمه، وأن فلانًا يحصل له من الخير كذا، أو يقع عنه من الشرّ كذا، إذا دعا ربّه، وأن هذه المسبَّبات مترتبة على حصول أسبابها، وهذه المشروطات مقيّدة بحصول شروطها، وحينئذ فارجعوا إلى ما قدمنا ذِكره من الجمع بين ما تقدم من الأدلّة، واستريحوا من التعب، فإنه لَمْ يبق بيننا وبينكم خلاف من هذه الحيثية.
وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم-، مثل عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي وائل، وعبد الله بن عمر الذين كانوا يدعون الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن يجعلهم في أهل السعادة، إن كانوا قد كُتبوا من أهل الشقاوة كما قدَّمنا، وهم أعلم بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، وما يجب له، ويجوز عليه. وقال كعب الأحبار حين طُعن عمر، وحَضَرَته الوفاة: والله لو دعا عمر أن يؤخّر أجله، لأخّره، فقيل له: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: ٣٤]، فقال: هذا إذا حضر الأجل، فأما قبل ذلك، فيجوز أن يزداد، وأن ينقص.
ومن شكّ في شيء من هذا، فليطالع الكتب الصحيحة في أخبار الصالحين، كـ"حلية أبي نعيم"، و"صفوة الصفوة" لابن الجوزيّ، و"رسالة القشيريّ"، فإنه يجد من هذا القبيل ما ينشرح له صدره، ويثلج (١) به قلبه.
بل كل إنسان إذا حقّق حال نفسه، ونظر في دعائه لربه عند عروض الشدائد، وإجابته له، وتفريجه عنه يجد ما يغنيه عن البحث عن حال غيره، إذا