للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك بقوله: (وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- عَلَى الْبَشَرِ)، وفي الرواية التالية: "وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- عَلَى الْعَالَمِينَ"؛ أي: على جميعهم، حتى على محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذا غضب المسلم؛ لأنه يعتقد أن محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل من موسى وغيره. (قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه - (فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ) فيه أنه ردّ على من قال: إنه أبو بكر الصديّق، فتنبّه. (فَلَطَمَ وَجْهَهُ) يقال: لَطَمت المرأة وجهها لطْمًا، من باب ضرب: ضَرَبته بباطن كفّها (١).

وقال في "الفتح": قوله: "فلطم اليهودي"؛ أي: عند سماعه قول اليهوديّ: "والذي اصطفى موسى على العالمين"، وإنما صنع ذلك لِمَا فهمه من عموم لفظ: "العالمين"، فدخل فيه محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل، وقد جاء ذلك مبيَّنًا في حديث أبي سعيد أن الضارب قال لليهوديّ حين قال ذلك: أي خبيثُ على محمد؟ فدلّ على أنه لطم اليهوديّ عقوبةً له على كذبه عنده، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد: "فلطم وجه اليهوديّ"، ووقع عند أحمد من هذا الوجه: "فلطم على اليهوديّ"، وفي رواية عبد الله بن الفضل: "فسمعه رجل من الأنصار، فلطم وجهه، وقال: أتقول هذا ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرنا؟ "، وكذا وقع في حديث أبي سعيد أن الذي ضربه رجل من الأنصار، وهذا يعكّر على قول عمرو بن دينار أنه أبو بكر الصديق، إلَّا إن كان المراد بالأنصار المعنى الأعم، فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - من أنصار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطعًا، بل هو رأس مَن نَصَره، ومقدَّمهم، وسابقهم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أنهما واقعتان، واقعة كان الضارب فيها رجلٌ من الأنصار، وواقعة كان الضارب فيها أبا بكر الصدّيق - رضي الله عنه -، وأما قوله: إن أبا بكر من الأنصار، فلا يخفى بُعده، فإن هذا اللفظ عندهم إذا أطلق يُطلق على الأنصار بخلاف المهاجرين، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) ذلك المسلم اللاطم لليهوديّ (تَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- عَلَى الْبَشَر، وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا)؛ أي: بيننا، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يقال: هو نازل بين ظَهْرَانَيْهِمْ -بفتح النون- قال ابن فارس: ولا تُكسَر، وقال


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٣.