للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (وَأَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا) جملة في محل نصب على الحال، وفي رواية إبراهيم بن سعد: "فدعا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره"، وفي حديث أبي سعيد: "فقال: ادعوه لي، فجاء، فقال: أضربته؟ قال: سمعته بالسوق يحلف"، فذكر القصة.

(قَالَ) أبو هريرة (فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَ) بالبناء للمفعول، (الْغَضَبُ)؛ أي: أَثَره، من الاحمرار ونحوه، (فِي وَجْهِهِ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال الأبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الرجل إنما قام بتغيير منكر في اعتقاده، لاسيّما أَنْ فَهِم عن اليهوديّ أنه عرّض بغير موسى، وحينئذ فغضبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِل؛ لأنَّ المسألة علميّة، وقد تتوقّف على أمور لا يعلمها إلَّا العلماء، وما كان كذلك فالتغيير فيه مصروف إلى الإمام، فلما افتات عليه غَضِب، ويَحْتَمِل؛ لأنه فضّل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تفضيلًا يؤدّي إلى اهتضام موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، ويَحْتَمِل؛ لأنه عَدَلَ عن وجه التغيير؛ لأنَّ التغيير إنما يكون أَوّلًا بالقول.

[فإن قلت]: لا يتعيّن في اليهوديّ أن يكون أتى منكرًا؛ لاحتمال أن يكون مستنَده في التفضيل أن عندهم في التوراة ما هو بمعنى ما هو في القرآن من قوله تعالى: {يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} الآية [الأعراف: ١٤٤].

[والجواب]: أنه وإن سُلّم ذلك فهو عامّ، والعمل بالعامّ قبل البحث عن المخصّص منكَر. انتهى كلام الأبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "والعمل بالعامّ … إلخ" هذا خلاف المرجّح في الأصول؛ إذ الصحيح أنه يُعمل بالعام قبل البحث عن المخصّص، وإليه أشرت في "التحفة المرضيّة"، حيث قلت:

وَالْحَقُّ أَن الْعَامَ مَحْمُولٌ عَلَى … عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ حَصَلَا

وَإِنْ أَتَى مُخَصِّصٌ صَحَّ عُمِلْ … بهِ وَإِنْ فِي رُتْبَةٍ كَانَ سَفِلْ

فراجعها مع شرحها "المِنحة الرضيّة" (٢) تستفد، وبالله تعالى التوفيق.


(١) "شرح الأبيّ" ٦/ ١٦٦.
(٢) راجع: "المنحة الرضيّة" ٣/ ٢٨٢ - ٢٨٣.