للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ) (١)، وفي الرواية التالية: "لا تخيّروني على موسى وفي حديث أبي سعيد: "لا تخيّروا بين الأنبياء".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث مُتَأَوَّلٌ؛ لأنَّ نبيَّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل المخلوقين فيَحْتَمِل أن هذا الكلام قبل أن يَعلم أنه أفضلُ، فلما علمِ قال: "أنا سيد ولد آدم"، ويَحْتَمِل أن يكون قاله تواضعًا، ويَحْتَمِل أن يكون نهَى عن تخييرٍ يؤدي إلى الخصومة والفتنة، ويَحْتَمل أن النهي عن تخيير يؤدي إلى الإزراء ببعضهم، ويَحْتَمِل: لا تخيّروني في نفس النبوة، فإنها لا تتفاوت، وإنما الفضائل بأمور أخرى معها. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- نقلًا عن التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "لا تخيّروني على موسى أي: لا تفضّلوني عليه، وهذا قولٌ قاله على سبيل التواضع أوّلًا، ثم لِرَدْع أمته عن التخيير بين أنبياء الله من تلقاء أنفسهم ثانيًا، فإن ذلك يفضي بهم إلى العصبيّة، فينتهز الشيطان عند ذلك فُرصة، فيدعوهم إلى الإفراط والتفريط، فيُطرون الفاضل فوق حقّه، ويَبخسون المفضول حقّه، فيقعون في مَهواة الغيّ، ولهذا قال: "لا تخيّروا بين الأنبياء أي: لا تُقدِموا على ذلك بأهوائكم وآرائكم، بل بما آتاكم من الله من البيان، وعلى هذا النحو قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا أقول إن أحدًا خير من يونس بن متّى"؛ أي: لا أقول من تلقاء نفسي، ولا أفضّل أحدًا عليه من حيث النبوّة والرسالة، فإن شأنهما لا يختلف باختلاف الأشخاص، بل أقول: كلُّ من أُكرم بالنبوّة، فإنهم سواء فيما جاءوا به عن الله تعالى، وإن اختلفت مراتبهم، وكذلك من أُكرم بالرسالة، وإليه


(١) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "لا تفضّلوا بين أنبياء الله" بالصاد المهملة ظاهر؛ أي: لا تفرّقوا بينهم، وبالضاد المعجمة؛ معناه: لا توقعوا الفضل بين أنبياء الله؛ أي: لا تفضّلوا بعض الأنبياء على بعض، نحو قوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤]؛ أي: وقع التقطّع بينكم، كما تقول: جمع بين الشيئين، تريد: أوقع الجمع بينهما. انتهى. "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١١/ ٣٦١٠.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "بالصاد المهملة" يحتاج إلى ثبوت الرواية به، فإن الروايات في الكتب عندنا بالضاد المعجمة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٢) "تهذيب الأسماء واللغات" ٢/ ٤٢٠.