للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقعت الإشارة بقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥].

وإنما خَصّ يونس -عَلَيْهِ السَّلَام- بالذِّكر من بين الرسل؛ لِمَا قصّ الله عليه في كتابه من أمْر يونس، وتولّيه عن قومه، وضجره عند تثبّطهم في الإجابة، وقلّة الاحتمال، والاحتفال بهم حين أرادوا التنصّل، فقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: ٤٨]، وقال: {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: ١٤٢]، فلم يأمَن - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُخامر بواطن الضعفاء من أمته ما يعود إلى نقيصة في حقّه، فنبّههم أن ذلك ليس بقادح فيما آتاه الله من فضله، وأنه مع ما كان من شأنه كسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين. انتهى ما ذكره الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيسٌ (١).

وقال في "العمدة": معناه: لا تفضلوا بعضًا بحيث يلزم منه نقص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والنزاع، أو لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل، وإن كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل منهم مطلقًا؛ إذ الإمام أفضل من المؤذِّن مطلقًا، وإن كانت فضيلة التأذين غير موجودة فيه، أو لا تفضلوا من تلقاء أنفسكم وأهوائكم.

[فإن قلت]: نَهَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التفضيل، وقد فَضّل هو بنفسه موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-.

[قلت]: لَمْ يُفَضِّل؛ إذ معناه: وأنا لا أدري أن هذا البعث فضيلة له، أم لا؟ أو جاز له ما لَمْ يجز لغيره.

[فإن قلت]: السياق يقتضي تفضيل موسى على النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[قلت]: لئن سلّمنا لا يقتضي إلَّا تفضيله بهذا الوجه، وهذا لا ينافي كونه أفضل مطلقًا من موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "لا تفضلوا بين الأنبياء"؛ أي: لا تقولوا فلان أفضل من فلان، وفي الرواية الأخرى: "لا تخيّروا بين الأنبياء"؛ أي: لا تقولوا: فلان خير من فلان، يقال: خيَّر فلان بين فلان وفلان، وفضَّل -مشدَّدًا-: إذا قال ذلك.

واختَلَف العلماء في تأويل هذا الحديث على أقوال، فمنهم من قال: إن


(١) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١١/ ٣٦٠٩.
(٢) "عمدة القاري" ١٦/ ٤.