للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موسى"، فنهاهم عن ذلك، ثم إنا قد وجدنا نبيَّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنا أكرم ولد آدم على ربي"، و"أنا سيد ولد آدم"، ولم يذهب أحدٌ من العلماء إلى أن هذا منسوخ، ولا مرجوح.

قال القرطبيّ: وهذا الوجه، وإن كان حسنًا، فأَولى منه أن يُحْمَل الحديث على ظاهره من منع إطلاق لفظ التفضيل بين الأنبياء، فلا يجوز في المعيَّن منهم، ولا في غيره، فلا يقال: فلان النبي أفضل من الأنبياء كلهم، ولا من فلان، ولا خير، كما هو ظاهر هذا النهي، لِمَا ذُكر من توهّم النقص في المفضول، وإن كان غير معيَّن؛ ولأن النبوة خصلة واحدة لا تفاضل فيها؛ وإنَّما تفاضلوا بأمور غيرها كما بيَّناه قبل هذا الباب.

ثم إن هذا النهي يقتضي منع إطلاق ذلك اللفظ، لا منع اعتقاد ذلك المعنى، فإنَّ الله تعالى قد أخبرنا بأن الرسل متفاضلون، كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: ٢٥٣]، وكما قد علمنا أن نبيّنا قد خُصَّ بخصائص من الكرامات والفضائل بما لَمْ يُخصّ به أحدٌ منهم، ومع ذلك فلا نقول: نبيّنا خير من الأنبياء، ولا من فلان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا نهى عنه، وتأدبًا بأدبه، وعملًا باعتقاد ما تضمّنه القرآن من التفضيل، ورفعًا لِمَا يُتوهّم من المعارضة بين السُّنَّة والتنزيل. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأرجح قول من قال: إن النهي إنما هو عن التفضيل الذي يلزم منه نقص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والنزاع، وهذا هو الأظهر، والله تعالى أعلم.

(فَإِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الذي تفسّره جملة بعده، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ- في "الكافية الشافية":

وَمُضْمَرُ الشَّأْنِ ضَمِيرٌ فُسِّرَا … بِجُمْلَةٍ كَـ"إِنَّهُ زَيْدٌ قَرَى"

(يُنْفَخُ) بالبناء للمفعول، (فِي الصُّورِ) قيل: إنه جمع صورة، والصحيح ما قد صحّ عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الصُّور قرن يُنفخ فيه"، وسيأتي له مزيد بيان، واختُلِف في عدد النفخات، فقيل: ثلاثة: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة


(١) "المفهم" ٦/ ٢٢٨ - ٢٣١.