للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسببه التردد في موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، كما سيأتي، وعلى هذا يُحْمَل سائر ما ورد في هذا الباب، كحديث أنس عند مسلم، رفعه: "أنا أول من تنشق عنه الأرض"، وحديث عبد الله بن سلام عند الطبرانيّ. انتهى (١).

وقوله: (أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ) قال القرطبيّ: هذا شكّ من الراوي تزيله الرواية الأخرى التي قال فيها: "فأكون أول من يُفيق"، وكذلك الحديث المتقدم الذي قال فيه: "أنا أول من ينشق عنه القبر، ويُبعث"؛ يعني به: يُحيا بعد موته، وهو الذي عبَّر عنه في الرواية الأخرى بـ"أفيق"، وإن كان المعروف أن الإفاقة إنما هي من الغشية، والبعث من الموت؛ لكنهما لِتقارُب معناهما أطلق أحدهما مكان الآخر، ويَحْتَمِل أن يراد بالبعث الإفاقة على ما يأتي بعد هذا -إن شاء الله تعالى-. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": هذه الرواية ظاهرة في أن الإفاقة بعد النفخة الثانية، وأصرح من ذلك رواية الشعبيّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في "تفسير الزمر" بلفظ: "إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة"، وأما ما وقع في حديث أبي سعيد: "فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض"، كذا وقع بهذا اللفظ في "كتاب الإشخاص" من البخاريّ، ووقع في غيرها: "فأكون أول من يُفيق".

وقد استُشْكِل، وجزم المزيّ فيما نقله عنه ابن القيم في "كتاب الروح" أن هذا اللفظ وَهَمٌ من راويه، وأن الصواب ما وقع في رواية غيره: "فأكون أول من يفيق"، وأن كونه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول من تنشق عنه الأرض صحيح، لكنه في حديث آخر، ليس فيه قصة موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-. انتهى.

قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق، أحيائهم وأمواتهم، وهو: الفزع، كما وقع في "سورة النمل": {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية [النمل: ٨٧]، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه، وللأحياء موتًا، ثم ينفخ الثانية للبعث، فيفيقون أجمعين، فمن كان مقبورًا انشقت عنه الأرض، فخرج من قبره، ومن ليس بمقبور لا


(١) "الفتح" ٨/ ١٢.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٣١ - ٢٣٢.