للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- ممن قُبر في الحياة الدنيا، ففي "صحيح مسلم" أنس - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: مَرَرتُ على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره"، أخرجه عقب حديث أبي هريرة، وأبي سعيد المذكورين، ولعله أشار بذلك إلى ما قررته. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

[تنبيه]: قد استُشكِل كون جميع الخلق يَصعقون، مع أن الموتى لا إحساس لهم، فقيل: المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨]؛ أي: إلَّا من سبق له الموت قبل ذلك، فإنه لا يُصعق، وإلى هذا جنح القرطبيّ، ولا يعارضه ما ورد في هذا الحديث أن موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- ممن استثنى الله؛ لأنَّ الأنبياء أحياء عند الله، وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا، وقد ثبت ذلك للشهداء، ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء، وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله، أخرجه إسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، من طريق زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وقال عياض: يَحْتَمِل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث، حين تنشق السماء والأرض، وتعقّبه القرطبيّ بأنه صرّح - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنه حين يخرج من قبره يَلْقَى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث. انتهى، ويردّه قوله صريحًا كما تقدم: "إن الناس يصعقون، فأصعق معهم. . ." إلى آخر ما تقدم قال: ويؤيده أنه عَبَّر بقوله: "أفاق"؛ لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وبُعث من الموت، وكذا عبّر عن صعقة الطور بالإفاقة؛ لأنَّها لَمْ تكن موتًا بلا شكّ، وإذا تقرر ذلك كله ظهر صحة الحمل على أنَّها غشية تحصل للناس في الموقف، هذا حاصل كلامه، وتعقُّبه. انتهى (٢).

(فَإِذَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- آخِذٌ بِالْعَرْشِ)، وفي الرواية التالية: "فإذا موسى باطش بجانب العرش"؛ أي: آخذ بشيء من العرش بقوّة، والبطش: الأخذ بقوّة، وفي


(١) "الفتح" ٨/ ١٠ - ١١.
(٢) "الفتح" ٨/ ١١ - ١٢.