للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديث أبي سعيد: "آخذ بقائمة من قوائم العرش"، وكذا في رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فإذا موسى آخذ بالعرش" هذا من موسى تعلُّق فَزَع لهول المطلع، وكأنه متحرِّم بذلك المحلّ الشريف، ومتمسِّك بالفضل المنيف (١).

(فَلَا أَدْرِي، أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّور، أَو بُعِثَ قَبْلِي؟)، وفي الرواية التالية: "فلا أدري، أكان ممن صَعِقَ فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله"؛ أي: فلم يكن ممن صَعِق؛ أي: فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة، وإن كان ممن استثنى الله، فلم يُصعق فهي فضيلة أيضًا.

ووقع في حديث أبي سعيد: "فلا أدري كان فيمن صُعق"؛ أي: فأفاق قبلي، أم حوسب بصعقته الأولى؛ أي: التي صَعِقها لمّا سأل الرؤية، وبيّن ذلك ابن الفضل في روايته، بلفظ: "أحوسب بصعقته يوم الطور".

قال النوويّ: الصعق، والصعقة: الهلاك، والموت، ويقال منه: صَعِق الإنسانُ، وصُعِق، بفتح الصاد، وضمّها، وأنكر بعضهم الضم، وصَعَقتهم الصاعقة، بفتح الصاد والعين، وأصعقتهم، وبنو تميم يقولون: الصاقعة بتقديم القاف. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فلا أدري أحوسب بصعقة الطور، أو بعث قبلي؟ " هذا مشكل بالمعلوم من الأحاديث الدَّالة على أنَّ موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد توفي وأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رآه في قبره، وبأن المعلوم المتواتر أنه تُوُفّي بعد أن ظهر دينه، وكثرت أمَّته، ودُفن بالأرض، ووجه الإشكال أن نفخة الصَّعق إنما يموت بها من كان حيًّا في هذه الدار، فأمَّا من مات فيستحيل أن يموت مرّة أخرى؛ لأنَّ الحاصل لا يستحصل، ولا يُبتغَى؛ وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث، وموسى قد مات، فلا يصحُّ أن يموت مرَّة أخرى، ولا يصحُّ أن يكون مستثنى ممن صُعق؛ لأنَّ المُسْتَثْنِين أحياء لَمْ يموتوا، ولا يموتون، فلا يصحُّ استثناؤهم من الموتى، وقد رام بعضهم الانفصال عن هذا الإشكال، فقال: يَحْتَمِل أن


(١) "المفهم" ٦/ ٢٣٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٣٠.