للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكون موسى ممن لَمْ يمت من الأنبياء، وهذا قول باطل قطعًا بما ذكرناه، قال القاضي عياض: يَحْتَمِل أن المراد بهذه الصعقة: صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السماوات والأرضون، قال: فتستقل الأحاديث والآيات.

قال القرطبيّ: وهذه غفلة عن مساق الحديث؛ فإنَّه يدلّ على بطلان ما ذكر دلالة واضحة، فإنَّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إنه حين يخرج من القبر، فيلقى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا كان عند نفخة البعث، ثم إن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما يرى موسى يقع له تردد في موسى على ظاهر هذا الحديث، هل مات عند نفخة الصعق المتقدِّمة على نفخة البعث؟ فيكون قد بُعث قبله، أو لَمْ يمت عند نفخة الصعق لأجل الصعقة التي صعقها على الطور، جُعلت له تلك عوضًا من هذه الصعقة؟ وعلى هذا فكان حيًّا حالة نفخة الصعق، ولم يُصعق، ولم يمت، وحينئذ يبقى الإشكال؛ إذ لَمْ يحصل عنه انفصال.

قال القرطبيّ: والذي يُزيحه -إن شاء الله تعالى- أن يقال: إن الموت ليس بعدم؛ وإنَّما هو انتقال من حالٍ إلى حال، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدَّم، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قَتْلهم، وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين مستبشرين، فهذه صفات الأحياء في الدُّنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحقّ وأَولي، مع أنه قد صحَّ عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء"، وأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء، وخصوصًا بموسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أخبرنا النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يقتضي أن الله تعالى يَرُدّ عليه روحه حتى يردّ السلام على كل من يسلِّم عليه، إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى، وهو كثير بحيث يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غُيِّبوا عنا، بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنَّهم موجودون أحياء، ولا يراهم أحدٌ من نوعنا إلَّا من خصَّه الله بكرامة من أوليائه، وإذا تقرر أنهم أحياء، فهم فيما بين السماء والأرض، فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق صُعق كل من في السماوات والأرض، إلَّا من شاء الله، فأمَّا صَعْق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء، فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي، ومن غُشي عليه أفاق، ولذلك قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فأكون أول