والأصول، والفروع، والآداب، والنفائس المهمة، سبق التنبيه على معظمها، سوى ما هو ظاهر منها، ومما لم يسبق أنه لا بأس على العالم والفاضل أن يخدُمه المفضول، ويقضي له حاجة، ولا يكون هذا من أخْذ العِوَض على تعليم العلم والآداب، بل من مروءات الأصحاب، وحسن العشرة، ودليله من هذه القصة حَمْل فتاه غداءهما، وحَمْل أصحاب السفينة موسى والخضر بغير أجرة؛ لمعرفتهم الخضر بالصلاح، والله أعلم.
ومنها: الحثّ على التواضع في عِلمه وغيره، وأنه لا يدّعِي أنه أَعْلمُ الناس، وأنه إذا سئل عن أعلم الناس يقول: الله أعلم، ومنها بيان أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو: وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول، ولا يفهمه أكثر الناس، وقد لا يفهمونه كلهم؛ كالقَدَر، وموضع الدلالة: قتل الغلام، وخرق السفينة، فإن صورتهما صورة المنكَر، وكان صحيحًا في نفس الأمر، له حِكَمٌ بينةٌ، لكنها لا تظهر للخلق، فإذا أعلمهم الله تعالى بها عَلِموها، ولهذا قال:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}؛ يعني: بل بأمر الله تعالى. انتهى (١).
وقال في "الفتح": في الحديث من الفوائد غير ما تقدّم: استحباب الحرص على الازدياد من العلم، والرحلة فيه، ولقاء المشايخ، وتجشم المشاقّ في ذلك، والاستعانة في ذلك بالأتباع، وإطلاق الفتى على التابع، واستخدام الحرّ، وطواعية الخادم لمخدومه، وعذر الناسي، وقبول الهبة من غير المسلم، واستُدِلّ به على أن الخضر نبيّ؛ لعدة معانٍ، قد تقدّم التنبيه عليها؛ كقوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، وكاتّباع موسى رسول الله له؛ ليتعلّم منه، وكإطلاق أنه أعلم منه، وكإقدامه على قتل النفس لِمَا شَرَحه بعدُ، وغير ذلك، وأما من استَدَلّ به على جواز دَفْع أغلظ الضررين بأخفّهما، والإغضاء على بعض المنكَرات؛ مخافة أن يتولد منه ما هو أشدّ، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه، كخصاء البهيمة للسِّمَن، وقَطْع أُذُنها؛ لتتميَّز، ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم؛ خشيةَ ذهابه بجميعه، فصحيح، لكن فيما