وأما الملائكة، فيتوقف عدّهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم، فإن فيه خلافًا بين الأصوليين، حتى نَقَل بعضهم الإجماع على ثبوته، وعكس بعضهم.
وهذا كله فيمن رآه، وهو في قيد الحياة الدنيوية، أما من رآه بعد موته، وقبل دفنه، فالراجح أنه ليس بصحابيّ، وإلا لَعُدّ مَن اتَّفَق أن يرى جسده المكرم، وهو في قبره المعظم، ولو في هذه الأعصار، وكذلك من كُشف له عنه من الأولياء، فرآه كذلك على طريق الكرامة؛ إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمرّ الحياة، وهذه الحياة ليست دنيوية، وإنما هي أخروية، لا تتعلق بها أحكام الدنيا، فإن الشهداء أحياء، ومع ذلك، فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم، من الموتى، والله أعلم.
وكذلك المراد بهذه الرؤية: مَن اتفقت له ممن تقدم شرحه، وهو يقظان، أما من رآه في المنام، وإن كان قد رآه حقًّا، فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية، لا الأحكام الدنيوية، فلذلك لا يُعَدّ صحابيًّا، ولا يجب عليه أن يعمل بما أَمَره به في تلك الحالة، والله أعلم.
قال: وقد وجدت ما جزم به البخاريّ من تعريف الصحابيّ في كلام شيخه عليّ ابن المدينيّ، فقرأت في "المستخرج" لأبي القاسم ابن منده بسنده إلى أحمد ابن سيار الحافظ المروزيّ، قال: سمعت أحمد ابن عتيك يقول: قال عليّ ابن المدينيّ: مَن صَحِب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو رآه، ولو ساعة من نهار، فهو من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في الطريق الموصل إلى معرفة كون الشخص صحابيًّا:
(اعلم) أن الصحابي يُعرف بأشياء:
(أولها): أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابيّ، كالخلفاء الأربعة، وبقيّة العشرة في خَلْق كثير سواهم، ممن تواترت صحبته، ثم بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كعُكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة، وغيرهما، ثم بأن
(١) "الفتح" ٨/ ٣١٣٣١٥، كتاب "فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-" رقم (٣٦٤٩).